حين ألقت الشرطة القبض عليه لم يتخيل للحظة أنه سيبقى تسعة أشهر حبيس زنزانة صغيرة مكدّسة بالسجناء وقذرة تنبعث منها روائح كريهة، دون أن يمثل أمام محكمة تتهمه ويدافع عن نفسه. إنه المواطن العراقي أحمد قاسم (اسم مستعار) الذي يروي تجربته "لم أحظ بمحكمة تنظر في أمري.. مكثت حوالي تسعة أشهر في السجن متهما بأشياء لا أعرف عنها أي شيء". ويسترجع المواطن -الذي لم يرغب في الكشف عن اسمه ل"أسباب أمنية"- بعض الذكريات المريرة خلال فترة اعتقاله، وتحديدا عندما طلب منحه فرصة للدفاع عن نفسه: "عندما اقتادوني إلى حجرة ضابط كبير للتحقيق معي لم يعطوني فرصة لدحض التهم التي وجهوها إليّ.. كلما حاولت فتح فمي للتحدث كنت أُضرب بشدة". وبعد تحقيق "وحشي" -حسب وصفه- تم اقتياد قاسم (39 عامًا) إلى "زنزانة صغيرة قذرة" لا تصلح للآدميين ليجد بها ثمانية آخرين يشاركونه نفس الزنزانة. نمل وفئران وبينما يحرك رأسه، وكأنه يسترجع ذكرى أليمة، يضيف قاسم: "حتى الحيوانات من حقها أن تحصل على طعام طيّب.. كنا نجد شعرا في الطعام، وربما نجد حشرات كالنمل وغيرها.. الفئران تتحرك في الزنزانة ذهابًا وإيابًا". لكن بعد فترة وجيزة "تعلمت أن أكون شاكرًا وقانعًا بزنزاتي القذرة؛ لأن اعتراضي ربما يكون سببًا في دخولي زنزانة أكثر بؤسًا، أو ربما تعرضت للعذاب". ويضيف قاسم: "لا يمر يوم دون أن أسمع شخصا يصرخ من ألم.. إنها صرخات ألم ناتج عن تعذيب.. أدركت شدة العذاب بعدما أخذوا أحد رفقاء زنزانتي، وعندما عاد ظل أسبوعا كاملا لا يستطيع النطق من شدة ما تعرض له من إيذاء". عادة يومية عمر لطيف أحد السجناء الذين أُطلق سراحهم مؤخرًا، ولم يكن أفضل حالا من قاسم، حيث قضى سنتين كاملتين خلف القضبان، ولم يتسن له الحصول على فرصة لرؤية أحد من أفراد أسرته. ويقول لطيف: "اعتدوا علي بالضرب وصعقوني بالتيار الكهربائي، أصيبت إحدى قدماي.. بعد خروجي أخبرني الأطباء أنه لا أمل في علاجها". ويردف راصدا أوضاعه وبقية السجناء: "التعذيب عادة يومية في السجن.. المعتقلون السنة الذين تُوجه لهم تهم الانتماء للمقاومة أو مساعدتها يتعرضون لتعذيب أشد.. غالبية الضباط من الشيعة، وبإمكانك أن تتخيل ما قد يفعلونه مع أي فرد ينتمي للمقاومة السنية". رشوة للحرّاس أمّا دانا محمد -وهي زوجة أحد المعتقلين- فسمعت كثيرا عن صنوف التعذيب التي يتعرض لها المعتقلون، فأعلنت استعدادها لفعل أي شيء لتنتشل زوجها من هذا "الكابوس". وتقول "دانا" ل"إسلام أون لاين.نت": "حاولنا بشتى الطرق إخراجه، لكننا فشلنا، وفي النهاية لم نستطع إلا أن ندفع رشوة لإبقائه على قيد الحياة داخل السجن". وتوضح أنها علمت بشأن تلقي الحرّاس رشوة مقابل تخفيف التعذيب عن المعتقلين من أم أحد المعتقلين كانت قد قابلتها أثناء إحدى الزيارات. فقد أسرّت لها هذه الأم بأن بقاء زوجها حيًّا وبعذاب أقل مرهون بأن تدفع مالا للحرّاس، فلم تتردد "دانا" في دفع خمسة آلاف دولار أمريكي. وتبرر ما أقدمت عليه بأنه "ربما ينقله الحراس إلى زنزانة أفضل، ويلقى رعاية ومعاملة أفضل.. إنها تجارة". ورغم أنها تدفع هذا المبلغ على مدار عام كامل، فإنه ليس بإمكان "دانا" التأكد مما إذا كانت معاملة الحراس لزوجها قد تحسنت بالفعل، تضيف دانا: "نعاني ضغوطا، وليس أمامنا خيار غير ذلك". معاملة "كريمة" وينفي علي سامر -وهو مسئول بوزارة الداخلية العراقية- أن تكون هناك انتهاكات في السجون، قائلا ": إن "السجناء يتلقون معاملة كريمة". وأضاف: "السجناء تمت محاكمتهم، ويُسمح للعائلات بزيارات دائمًا". ويسعى حقوقيون للحصول على تصريحات لدخول تلك السجون للوقوف على أحوال القابعين فيها، لكن دون جدوى. وبحسب متحدث باسم "جمعية السجناء من أجل العدالة" -وهي منظمة محلية غير حكومية- فإن كافة طلباتهم بدخول السجون قوبلت بالرفض. وأضاف نفس المصدر: "سمعنا أن بين السجناء نساء وأطفالا.. كثير ممن غادروا السجون عادوا لذويهم وهم مصابون باضطرابات نفسية وأجسادهم تحمل علامات التعذيب". سمعة سيئة ووفقا للدستور العراقي يجب أن يمثل المعتقل أمام قاض خلال 24 يومًا من اعتقاله، وأثناء المحاكمة يحدد القاضي إذا كانت التهم تستحق التحقيق أم لا، وإذا كانت تستحق فسرعان ما يبدأ التحقيق فيها. لكن منذ الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة ضد العراق في مارس 2003 قد يمكث المعتقل شهورا قبل أن يتم مثوله بين يدي قاض أو حتى قبل أن يعرف شيئا عن نوعية التهم الموجّهة إليه. وتحظى السجون العراقية بسمعة سئية للغاية، ويقبع في هذه السجون ومعسكرات الاحتجاز وأقسام الشرطة حوالي 20 ألف شخص، بحسب إحصائيات صادرة عن الأممالمتحدة في عام 2007.