لم يعد أحد يجرؤ على الادعاء بأن غزو العراق عام 2003 كان ناجحا أو أن يتنبأ بأن حياة العراقيين البئيسة ستعود إلى طبيعتها في المستقبل القريب, بل إن وضع العراقيين اليوم يتجسد في الأم الثكلى التي تنشد الانتقام من الأميركيين، واللاجئين العراقيين في بريطانيا المهددين بالترحيل, هذا ما يلخص بعض ما جاء في الصحف البريطانية الصادرة يوم الخميس. خمس سنوات أولت هذه الصحف اهتماما خاصا بالوضع في العراق مع اقتراب الذكرى الخامسة للغزو الأميركي, فذكرت صحيفة تايمز أنها بدأت اليوم سلسلة من التقارير الخاصة حول دلالة ذلك الحدث بالنسبة للعراق والعالم. محرر الشؤون الخارجية لهذه الصحيفة ريتشارد بيستون قال إن مظاهر الاحتفال الذي شهدته السفارة البريطانية ببغداد في صيف 2003 بعيد سقوط بغداد لم تعد سوى ذكريات بعيدة, فغالبية الذين شاركوا فيها أحيلوا إلى التقاعد وبعضهم لحقه الخزي والعار، في حين لم يتمكن البعض الآخر من الخروج من العراق أحياء. ولم يعد بإمكان أحد اليوم أن يتحدث عن نجاح في العراق ولا عن إمكانية عودة الحياة إلى طبيعتها في المستقبل المنظور. فالصراع تعدى منذ دخول الأميركيين بغداد إلى الآن أسوأ سيناريوهات الكوابيس, إذ تشير أكثر التقديرات تحفظا إلى أنه أودى حتى الآن بحياة ثمانين ألف مدني عراقي، وشرد أربعة ملايين ويخشى أن تؤدي التوترات الطائفية التي نجمت عنه إلى تفجير حرب أهلية شاملة في أي وقت. وقد قتل حتى الآن في هذا الصراع حوالي أربعة آلاف جندي أميركي و175 جنديا بريطانيا، وتجاوزت الكلفة المالية للحرب مائتي مليار جنيه إسترليني, كما أن بغداد تئن الآن في وضعية مزرية أسوأ بكثير من وضعيتها عندما دخلها الأميركيون. ويلخص أحد الشباب العراقيين الوضع قائلا "عندما غزا الأميركيون العراق, بدأت أنا وأصدقائي نتحدث عن العراق الجديد ونقول سنصبح مثل اليابان أو ألمانيا, لكننا بدلا من ذلك تحولنا إلى أفغانستان جديدة". وما يميز حرب العراق عن غيرها –حسب الصحيفة- هو أثرها على المستوى الدولي, فقد تضرر منها الناس في كل أرجاء العالم, وهو ما لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية. وعلى المستوى الدولي, عمقت الحرب على العراق الشقاق بين الغرب والمسلمين لبشاعتها وصور تعذيب الأميركيين لسجناء أبو غريب. لكن ضحايا العراق يشملون كذلك جيلا من الزعماء السياسيين الغربيين مثل الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير, اللذين ستظل سمعتهما ملطخة بمغامرة غزو بلاد الرافدين. ولا يرى الكاتب أن هناك رابحا حقيقيا من هذه الحرب ولا حتى إيران التي يتوجب عليها أن تكون حذرة "ولا تنتشي بمحنة العراق الحديث". الانتقام من الأميركيين ومن قصص معاناة العراقيين اختارت صحيفة ذي إندبندنت قصة أم سعد التي قالت إنها تسكن في حي الخضرة ببغداد، وإنها تنحي باللائمة في مقتل زوجها وابنيها على الأميركيين وتتعهد بالانتقام منهم. وتصرخ بحسرة قائلة "إنهم وحوش وجن في ملابس آدمية, سألف يوما نفسي بحزام ناسف وأنتقم لزوجي وابني وأدخل الجنة". وتقول الصحيفة إن مأساة أم سعد ومن هم مثلها من الشعب العراقي تكمن في تراكم المآسي الناتجة عن سنوات الحرب. برنامج العودة قالت صحيفة غارديان إنها اطلعت على رسالة لوزارة الداخلية البريطانية تؤكد فيها أن العراق أصبح آمنا بما فيه الكفاية لإعادة ألف وأربعمائة عراقي من طالبي اللجوء ببريطانيا إلى بلادهم. وسيخير العراقيون المعنيون بهذا الأمر بين أن يوقعوا على برنامج للعودة الطوعية إلى العراق في ثلاثة أسابيع أو أن يواجهوا سحب السكن والدعم الذي توفره لهم الحكومة. كما سيطالبون بتوقيع وثيقة يوافقون فيها على أن الحكومة البريطانية لا تتحمل أية مسؤولية لما قد يحدث لهم أو لأسرهم بعد عودتهم إلى العراق. وحسب الصحيفة فإن قرار وزيرة الداخلية البريطانية جاكي سميث إعلان العراق بلدا آمنا لعودة طالبي اللجوء إليه يأتي في وقت قتل فيه 78 عراقيا في العراق منذ الأحد الماضي. وتحذر المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة من إعادة اللاجئين العراقيين إلى جنوب العراق ووسطه وبعض اللاجئين إلى شماله