في الوقت الذي تشهد فيه مصر حالة غير مسبوقة من الغليان الشعبي تجسدت مؤخراً في التحركات الجماهيرية المتزايدة من إضرابات واعتصامات ووقفات احتجاجية للتنفيس عن حالة الغضب والرفض الشديدين لممارسات الحكومة المتعنتة تجاه المواطنين الذين أصبحوا مجرد فئران تجارب في حظيرة الدكتور نظيف يجري عليهم تجارب التجويع والتضييق والاعتقال والتعذيب والغرق، تتجه الحكومة حالياً إلى التقدم بطلب لمجلس الشعب لتمديد العمل بقانون الطوارئ لعام إضافي، بعد تعليمات من الرئيس حسني مبارك بضرورة التروي في إعداد مشروع قانون مكافحة الإرهاب، وعدم التعجل في تمريره خلال الدورة البرلمانية الحالية. تمديد الطوارئ بقرار جمهوري وقد تضمن قرار الرئيس الدعوة لإجراء حوار مجتمعي حول المشروع من أجل تفادي انتقادات التي واجهته مسودته بعد نشرها مؤخرا، والتي تبرأت الحكومة منها، وأبلغ اللجنة المكلفة صياغة مشروع القانون بضرورة إخضاع جميع بنوده للتدقيق من قبل خبراء دستوريين لتفادي، مشددا على ضرورة تنقيح البنود التي أثارت اعتراضات فعاليات سياسية ومؤسسات المجتمع المدني. وكان حقوقيون وساسة وخبراء قانون وجهوا انتقادات لقانون "الإرهاب"، معبرين عن خشيتهم من أن يؤدي صدوره إلى المزيد من الانتهاكات للحريات وحقوق الإنسان في مصر، خاصة وأن مواد القانون لن تكون قابلة للطعن علي دستوريتها بعد اعتمادها. واعتبر المعارضون، أن القانون لا يضمن حفظ الحريات المدنية من الانتهاك كما هو الحال في قانون الطوارئ الذي يجيز اعتقال أي شخص دون توجيه أي اتهام له، أو إحالته إلى المحاكمة، خاصة وأن عباراته "فضفاضة" والتي تتسع لتشمل أي معارض للنظام، وهو ما أثاره خبراء القانون في ندوة عقدها نادي القضاة مؤخرا. ومن المقرر أن ينتهي مدة الطوارئ الحالية المعمول بها في مصر في 31 مايو 2008، والذي يجيز للحكومة تعطيل الحريات المدنية الأساسية، علما بأنها كانت قد تعهدت في العام الماضي بعدم التقدم بطلب جديد للتمديد للعمل به. ومن المتوقع أن تبدأ الحكومة في المرحلة القادمة، حملة عبر الصحف الحكومية بهدف تهيئة الرأي العام لقبول التمديد القانون رقم 162 لسنة 1958 الذي ينص على فرض حالة الطوارئ لمدة عام آخر. ويعمل بهذا القانون المثير للجدل منذ أكثر من 40 عامًا، حيث لم يرفع سوى لعام ونصف فقط طيلة تلك الفترة، فيما يقول المعارضون إنه ليس هناك ما يبرر العمل به ، خاصة في ظل الأوضاع المستقرة التي تشهدها البلاد. وأعلن الرئيس جمال عبد الناصر العمل به صبيحة يوم النكسة التي منيت بها مصر يوم الخامس من يونيو عام 1967. واستمر خلفه الرئيس أنور السادات يمارس حكمه انطلاقا من هذا القانون، ولم يقرر رفعه إلا في مايو 1980. لكن هذه الفترة لم تطل لأكثر من 18 شهرا فقط، إذ سرعان ما عاد الرئيس مبارك فرض حالة الطوارئ على البلاد، بعد اغتيال الرئيس السادات، واستمر العمل بهذا التشريع حتى الآن رغم الاعتراض عليه. إغلاق باب الترشيح يأتي هذا في الوقت وفي السياق رفض د. فتحي سرور طلبات نواب المعارضة والمستقلين أمس بمد فتح باب الترشح للمحليات لمدة أربعة أيام جديدة، وذلك قبل ساعات من إغلاق باب الترشح، كما رفض كذلك طلبا آخر تقدم به النائب محمد شردي بتشكيل لجنة خاصة لمراجعة إجراءات الحكومة لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لصالح عدد كبير من مرشحي المعارضة وامتنعت الحكومة عن تنفيذها رغم نفاذية أحكامها، جاء ذلك خلال جلسة عاصفة اتهم فيها النائب صبحي صالح من كتلة الإخوان المسلمين الحكومة بارتكاب مخالفات دستورية كبيرة بعدم تنفيذها نحو 1000 حكم قضائي لصالح مرشحين كانت قد رفضت قبول أوراقهم، وتحدي النائب محمد البلتاجي ساخرا الحكومة الإلكترونية بالكشف عن الرقم الحقيقي للمرشحين من خارج الحزب الوطني من بين 52 ألف مرشح. حصار المستقلين وفي السياق استمر مسلسل الدولة لتطويق مرشحي جماعة الإخوان المسلمين حيث هاجمت أمس قوات الأمن منزل عبدالجليل الشرنوبي رئيس تحرير موقع «إخوان أون لاين» وتحفظت علي أوراق في غياب الشرنوبي في حين قررت نيابة جنوبالجيزة حبس مجموعة الجيزة التي ألقي القبض عليها منذ يومين لمدة 15 يوما فيما اعتقلت قوات الأمن أمس 10 من أعضاء الجماعة بالقاهرة و 4 بمركز تلا المنوفية، وكانت محكمة القضاء الإداري قد أصدرت حكما بإدراج 250 مرشحا إخوانيا بالشرقية بكشوف المرشحين، و38 آخرين بالقاهرة فيما رفضت لجان الترشح بالدقهلية تسلم أوراق 21 مرشحا للجماعة، في حين رفضت اللجان تسلم 160 إنذارا علي يد محضر بالتمكين من الترشح في محافظة كفر الشيخ ليصل عدد الدعاوي المرفوعة أمام القضاء الإداري من أعضاء الجماعة إلي 2600 دعوي، كما صرح بذلك عبدالمنعم عبدالمقصود محامي بعض المرشحين ويصل عدد المعتقلين من المرشحين إلي 800 . علي صعيد متصل دخل اعتصام مرشحي الجماعة في الإسكندرية يومه الثاني، حيث افترش المرشحون ومؤيدوهم ساحة مقر محكمة مجلس الدولة بالإسكندرية وديوان المحافظة وذلك بعد رفض رئيس محكمة مجلس الدولة تحديد جلسة عاجلة للنظر في دعاواهم ذات الشق المستعجل، في حين حاصرت قوات الأمن مبني المحكمة بالأزاريطة خوفا من تحول الاعتصام إلي مسيرة احتجاجية، إلا أن المرشحين سرعان ما انسحبوا من ساحة المحكمة، وفي مبني ديوان المحافظة واصل المرشحون اعتصامهم وتضامن معهم نواب الإخوان بالمحافظة في ظل غياب المحافظ عادل لبيب في مهمة بالقاهرة. وكان المعتصمون قد فضوا وقفتهم الاحتجاجية بعد وعد المستشار عبدالسلام المحجوب بحل أزمة قبول أوراقهم مع المحافظ عادل لبيب إلا أنهم فوجئوا بسفر المحافظ في الوقت الذي أغلق فيه باب قبول الأوراق في نهاية نهار أمس. تقرير أمريكي يدين التعذيب جدير بالذكر أن مشروع الحكومة لتمديد قانون الطواريء يتزامن مع تقرير الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان لهذا العام والذي تعرض جزء كبير منه لممارسات التعذيب التي قامت بها الشرطة المصرية ضد المواطنين. ورصد التقرير الصادر أمس الأول مجموعة كبيرة من حالات التعذيب والاعتقال التعسفي التي مارستها قوات الأمن المصرية ضد المواطنين خلال عام 2007، والتي تمت في ظل ثقافة من الحصانة علي أداء أجهزة الشرطة. ورصد التقرير الأنواع المختلفة من الاعتداءات البدنية من قبل الشرطة العادية وجهاز مباحث أمن الدولة مثل تعليق الضحايا من الرسغين والكاحلين، والضرب بالسياط والقضبان المعدنية، واستخدام الصدمات الكهربائية، والتغطيس في المياه الباردة والاعتداء الجنسي. وأشار التقرير إلي أن مصر والتي وصفها بأنها حليف قوي للولايات المتحدة وواحدة من الدول الرئيسية التي تتلقي معونة أمريكية، سعت "لقمع" نشطاء المعارضة والصحفيين ومنظمات المجتمع المدني". وأضاف "إن السلطات المصرية تواصل احتجاز المرشح الرئاسي السابق أيمن نور كسجين سياسي"، فضلا عن اعتقال مدونين علي الإنترنت، واتهام صحفيين مستقلين بالتشهير وتهم أخري بينها الإساءة للرئيس حسني مبارك. وذكر التقرير أن الحكومة المصرية عملت علي تقييد حقوق المواطنين في أن يغيروا حكومتهم أو حتى إلغاء حالة الطوارئ المفروضة في البلاد بشكل شبه متواصل منذ 1967. وأشار التقرير إلي أن الحكومة قامت خلال عام 2007 بقتل وتعذيب مواطنين مثلما حدث في قتل "بدوي" في 25 أبريل الماضي بسيناء، أو حوادث قتل المتسللين الأفارقة علي الحدود بين مصر والكيان الصهيوني.