جاء احتفال الجزائريين بمرور 59 عاما على ثورة التحرير باهتاً ضعيفاً على غير العادة هذا العام، خاصة بعد تغيب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن تلك الاحتفالات وعدم إلقائه كلمة للشعب بهذه المناسبة كما جرت العادة سنويا، وفي الوقت ذاته الإعلان عن خوضه المنافسة في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في إبريل من العام المقبل. وتزامنا مع الغموض السياسي الذي تعيشه الجزائر في السنوات الأخيرة، يتوقع الخبراء أن يختار الشعب الجزائري- مضطرا- شبح بوتفليقة (المريض) رئيساً لولاية رابعة، اعتقادا من البعض أن هذا سيحافظ على الاستقرار وتجنباً للانضمام إلى مسلسل الفوضى الذي يضرب بقوة دول الربيع العربي من حولهم. لكن غياب بوتفليقة عن هذه المناسبة الوطنية الهامة، فتح الباب من جديد حول وضعه الصحي الذي تؤكد الدوائر الحكومية على أن الرئيس تجاوز مرحلة الخطر، ويمارس حياته بشكل اعتيادي، في حين تتحدث المعارضة عن أنه لم يعد قادراً على ممارسة مهامه كرئيس، ومن ثم يجب البحث عن بديل فوري، كما تنص المادة 88 من الدستور. لقد تعرض بوتفليقة لأزمة صحية طارئة في منتصف العام الجاري نقل بسببها إلى إحدى المراكز العسكرية الفرنسية، وحينها شرع الجيش الجزائري في إعداد سيناريو لنقل السلطة، ووضعوا أكثر من بديل يتولى المسؤولية خلفاً لبوتفليقة.. قائمة البدائل ضمت كلا من رئيس الحكومة الحالي عبدالمالك سلال والرئيس الجزائري السابق اليمين زروال ورؤساء الحكومة السابقين أحمد بن بيتور وأحمد أويحيى ومولود حمروش وعلي بن فليس، وأخيراً عبدالعزيز بلخادم. عدد من أحزاب المعارضة رفضت قبول خوض بوتفليقة الانتخابات المقبلة، ربما ليس كرهاً في الرئيس ولا رفضا لسياساته، بل لأن حالته الصحية لا تسمح بأن يتحمل مسؤولية الحكم في المرحلة القامة بناء على نصائح وتقارير الأطباء، لكن الراغبين في دفع بوتفليقة للحكم فترة رابعة دعوا إلى إجراء تعديل دستوري يتم بمقتضاه تقليص مهام الرئيس الواسعة في الدستور الحالي، وتوزيعها على كل من رئيس الحكومة ونائب رئيس الجمهورية. في المقابل، يضغط حزب جبهة التحرير من أجل ترشيح بوتفليقة لولاية رابعة، بالتحالف مع حزب التجمع الوطني الديمقراطي ثاني قوة سياسية في الجزائر، الذي أعلن أيضاً عن مساندته لبوتفليقة، الأمر نفسه بالنسبة لحزب تجمع أمل الجزائر. وقد توقف المراقبون أمام تأييد حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي ينتمي إليه القيادي أحمد أويحيى، على الرغم من إعلان أويحيى عن رغبته في خوض لانتخابات القادمة؛ مما يضع الحزب في حرج وتناقض شديدين. من جانبه هدد رئيس حزب العدالة والتنمية عبدالله جاب الله بمقاطعة الانتخابات الرئاسية، في حال لم تقدم السلطة ضمانات كافية لنزاهتها، ودعا إلى تطبيق المادة 88 من الدستور الجزائري التي تتعلق بعجز الرئيس عن ممارسة مهام عملها مشدداً على رفضه ترشيح بوتفليقة لولاية رابعة بسبب مرضه، في حين طالبت جبهة التغيير الإسلامية بتحقيق توافق حول مرشح الرئاسة، غير أن حركة النهضة الإسلامية أكدت أنه في حال لم تنجح الطبقة السياسية في الإجماع على مرشح فإنها ستخوض المنافسة بمرشح تعلن عن هويته في الوقت المناسب . المعارضون لترشح بوتفليقة شكلوا ما يسمى ب"مبادرة الدفاع عن السيادة والذاكرة الوطنية"، تضم عشرة أحزاب معارضة، أعضاء هذه المبادرة يرون أن ترشح بوتفليقة لمرة رابعة هو انتحار سياسي لمسيرته السياسية ولا يحقق تكافؤ الفرص ويمثل إحباطاً لجيل الشباب الذي يحق له التطلع للمشاركة في حكم البلاد بعد كل هذه السنين التي سيطرت فيها جبهة التحرير على مصير الجزائر. يذكر أن عبد العزيز بوتفليقة هو الرئيس الثامن للجزائر بعد الاستقلال، من مواليد المغرب عام 1937، بدأ مشواره السياسي في فترة مبكرة بالانضمام إلى جيش التحرير قبل أن يتجاوز عمره 19 عاما ويعتبر أطول الرؤساء الجزائريين بقاءً في الحكم حيث تولي السلطة عام 1999.