لم تكن صعوبة الأوضاع المتطرق إليها من قبيل الزواج القهري والختان وتعدد الزوجات المتداولة في المخيلات الاجتماعية الأوروبية. إذ أرادت مقررة النص والنائبة عن الكتلة الاشتراكية في برلمان المجلس الأوروبي، القبرصية أثينا كيرياكيدو، سلك مسار آخر بالتطرق إلى وضعهن من منظور جديد، فاعتبرت أن اختزال النساء المسلمات في دينهن أو ملبسهن أو أصولهن، فيه تعد صارخ على هويتهن. وهو ما من شأنه أن يحد من إنتاجهن وتفاعلهن مع مجتمعهن بالتبني: المجتمع الأوروبي.هذا لأن النساء المسلمات يعانين غالب الوقت من تمييز قد يكون ثلاثيا: كونهن نساء أولا، ومن أقليات مهاجرة في كثير من الأحيان، و من أقلية دينية في أغلب الأحوال (إذا ما استثنيت تركيا)في قفص الاتهام: وسائل الإعلام، التي تعمق هذه التصورات المختزلة، وترسخ هذه المغالطات الفكرية. فلا يكاد الإعلام الأوروبي يتطرق إلى النساء المسلمات إلا من زاوية النقاب، والزواج القسري وبتر الأعضاء التناسلية وجرائم الشرف. وغالب هذه المظاهر، كما ذكّرت به مقررة لجنة المساواة وعدم التمييز في برلمان مجلس أوروبا أثينا كيرياكيدو، وإن ارتفع عددها في أوروبا في الآونة الأخيرة في صفوف الجاليات المسلمة، فإنها تقع على نساء من انتماءات دينية متعددة يهودية ومسيحية وإسلامية وإحيائية.في قفص الاتهام كذلك بعض السياسات المنتهجة من مناهضي الهجرة الذين كثيرا ما يتذرعون بهذه الصورة المنسوجة إعلاميا عن المسلمين من إساءة لنسائهم، للاعتراض على قدومهم بل وإقصائهم، بحجة عدم ملاءمتهم للمنوال الحضاري الأوروبيالتقرير ومن دافع عنه في مجلس أوروبا البرلماني رد على الكليشيهات الإعلامية التي تغذيها خطابات سياسية غير بناءة. ومضى بعضهم إلى أبعد من ذلك بأن اتهم قوانين منع النقاب أو الحجاب في الأماكن العامة بتكريس عزلة النساء المسلمات في المجتمع الأوروبي. كما اتهم بعض النواب الناشطين الحقوقيين الذين يعملون في اتجاه منع الحجاب أو النقاب أو التحريض على منعهما بالتناقض التام مع الخطاب الحقوقي الذي يتبنونه. وفي هذا الصدد قالت السيدة باكير النائبة عن مجموعة الديمقراطيين الأوروبيين أن منع الحجاب أو النقاب لن يؤدي إلا لمزيد من التهميش للنساء المسلمات، بإجبارهن على البقاء في بيوتهن، عوضا عن البحث لهن عن الإندماج في المنظومة المجتمعية الأوروبية.ومنه تعرض التقرير إلى دور التعليم كمحرك أساسي لتهيئة النساء المسلمات إلى الاضطلاع بدور فعال في المجتمع الأوروبي. وقبل الانتقال إلى التصويت على التقرير، اختتمت الجلسة بمناقشة التوجيهات العديدة التي جاء بها، لعل أبرزها: حث أعضاء برلمانات البلدان الأوروبية على توظيف شبكاتهم السياسية للحد من هذه الكليشيهات السلبية التي تمس من شخص وكرامة النساء المسلمات وتمنعهن من مساهمة إيجابية في المجتمع الأوروبي. كما حث التقرير مشرعي مختلف الدول الأعضاء على تفعيل سياسات تسهل على النساء المسلمات الإندماج في الحياة الاجتماعية والسياسية والمشاركة فيها.وقع التصويت على التقرير، دون أن تطرأ عليه تنقيحات تذكر. وقد خلص الكثير إلى فكرة، تتداولتها ألسن نائبات كثيرات، ومفادها أن النساء المسلمات فرصة لأوروبا، تماما كما أن أوروبا فرصة لهن.لكن جملة التوجيهات التي احتوى عليها التقرير لن تجد تطبيقا فعليا وآليا، إذ ليس لتقارير مجلس أوروبا صبغة تنفيذية. لكن هذه المؤسسة التي تعد أعتق المؤسسات الأوروربية (أنشئت عام 1949) وإن كانت منفصلة عن الاتحاد الأوروبي، فإنها تعتبر همزة وصل بين مؤسسات عديدة، ولا سيما بين البرلمانات الأوروبية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي. كما تعد عددا من المراقبين من ممثلي الدول غير المنتمية إلى القارة الأوروبية على غرار المغرب، وحتى السلطة الفلسطينية. ما قد يعطي لتوجيهاتها وتقاريرها صدى واسعا يمكن أن يترجم فعليا بأن تتبناه مؤسسات تتمتع قراراتها بصبغة تنفيذية.