حالة من الجدل سادت بين الأوساط الاقتصادية عقب القرار المفاجئ الذي اتخذه البنك المركزي برفع سعر الدولار مقابل الجنيه في السوق الرسمي بنحو 5 قروش، ليصل إلى 7.23 جنيه للبيع، و 7.20 جنيه لسعر الشراء، بعد تثبيته عند 7.18 جنيه لمدة 7 أسابيع. فقد تباينت الآراء حول هذا القرار، إذ رأى البعض أنه بداية لطمأنة المستثمرين لاستثمار أموالهم في السوق المصري فضلاً عن أنه بداية لتقليل عجز الميزان التجاري من خلال تقليل استيراد السلع الكمالية والترفيهية، في حين رأي أن هذا القرار سيؤدي لتعويم الجنيه وسيزيد من معدلات التضخم خلال الفترة المقبلة. في البداية أكدت فائقة الرفاعي، وكيلة محافظ البنك المركزي الأسبق، أن قرار المركزي كان لابد أن يتم اتخاذه خلال الفترة الراهنة لاسيما وأنه لم يتبق سوي أيام قلائل على انعقاد المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ، فضلاً عن أن المركزي يسعي لدعم الاستثمارات ورفع معدلات نمو الاقتصاد المصري كما سيساهم في رفع حجم الاحتياطي النقدي، لافتة إلى أن المركزي قام بدعم الجنيه المصري لنحو ستة أشهر أي منذ يوليو الماضي ولم يترتب على ذلك سوى تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي. وأوضحت الرفاعي أن المركزي عندما قرر خفض الجنيه جاء من أجل تقليل أعباء الدين الداخلي الملقاة على عاتق الدولة سنوياً، وذلك من خلال خفض حجم التكلفة الاستثمارية للمستثمرين العرب والأجانب الأمر الذي سيكون له دور إيجابي في جذب الاستثمارات، فضلاً عن أن هذا القرار سيساهم فى إنعاش حركة التعاملات والتداولات بالبورصة المصرية لتظل من أفضل البورصات عالمياً. وتابعت الرفاعي: إن رفع قيمة الدولار بالسوق الرسمي يعد السبيل الوحيد لكبح جماح السوق السوداء للدولار وسد الفجوة السعرية بين سعرى الدولار فى السوقين الرسمي والموازي، فضلاً عن أنه سيساهم في ترشيد معدلات الإنفاق من النقد الأجنبي. وأشارت الرفاعي إلى أن تقليل قيمة الجنيه سيساعد الاقتصاد المصري على منافسة الأسواق العالمية وهذا ما فعلته من قبل الصين فقامت بخفض قيمة عملتها «يوان» مقابل العملات الأجنبية وبالأخص الدولار وعلى الفور انعكس ذلك بالإيجاب على سد العجز بميزانها التجاري، متوقعة أن ينمو الاقتصاد المصري بمعدلات كبيرة خلال العام الجاري وهذا ما توقعه أيضاً البنك الدولى إذ توقع أن يحقق الاقتصاد المصرى نموًا بمعدل 2.9% خلال العام المالى الحالى، مقابل 2.2% فى العام المالى السابق. في حين رأي عبد الخالق فاروق، الخبير الاقتصادي، أن القرار الذي اتخذه المركزي جرىء وسيكون له تأثير إيجابي على سياساته النقدية، قائلاً إن المستثمر الأجنبي عندما يأتي لمصر للمشاركة في المؤتمر الاقتصادي لن يجد سعرين للعملات لاسيما وأن المركزي يسعي لتقليل الفجوة بين السعر الرسمي وغير الرسمي، إلى جانب أنه سيساهم في تقليل استيراد السلع الكمالية وسيؤدي لتنشيط السياحة، سعر الاستثمار في مصر للأسهم أو الشركات سيكون أرخص للمستثمر الأجنبي وبالتالي سيؤدي لتنشيط تعاملات البورصة. وأوضح عبد الخالق أن المركزي يسعى لطمأنة المستثمر الأجنبي قبيل انعقاد المؤتمر الاقتصادي وذلك من خلال تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار تدريجيا، لافتا إلى أن المركزي يسعي لتنفيذ تعليمات صندوق النقد الدولي، إلا أن المركزي عليه أن ينتبه جيدا لأن رفع قيمة الدولار مجدداً في السوق الرسمي سيؤدي لتعويم الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية. في حين رأي هانى جنينة، رئيس قسم البحوث بشركة «فاروس» القابضة للاستثمارات المالية، أن قرار البنك المركزي برفع سعر الدولار بالسوق الرسمي قرار طبيعي وذلك في ضوء ارتفاع سعر الدولار لأعلى مستوى له عالميا أمام العملات الرئيسية الأجنبية وبالأخص اليورو. وأوضح جنينة أن زيادة سعر الدولار سيكون لها تأثير إيجابي لزيادة معدلات التصدير وتشجيع المستوردين على التخلي عن سياسة استيراد السلع التي لها مثيل ومتوافرة في السوق المحلية لاسيما في ظل تفاقم عجز الميزان التجاري بين الصادرات والواردات، إذ يقدر حجم هذا العجز سنوياً بنحو من 25: 30 مليار دولار سنوياَ، فضلاً عن أن هذا القرار سيساهم إيجابياً في زيادة معدلات جذب الاستثمارات خلال الفترة المقبلة. وطالب جنينة، رئيس الوزراء بضرورة أن تكون هناك إرادة سياسية، وإصدار تعليمات مشددة للمستوردين بأن تقتصر عمليات الاستيراد على استيراد الخامات الأساسية للصناعات والابتعاد تماماً عن استيراد السلع الترفيهية والكمالية المتوافرة بكثرة داخل السوق المحلية. في حين انتقد فرج عبد الفتاح، الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، القرار، قائلاً إنه قرار غير مناسب على الاطلاق ، لاسيما في ظل انخفاض حجم الاحتياطي الأجنبي للشهر الثالث على التوالي، فضلاً عن أنه سيقلل من معدلات الاستيراد، ومن ثم سيدفع المصنعين المحليين لرفع أسعار السلع الأمر الذي سيؤثر بالسلب على معدلات التضخم فضلاً عن أنه سيعيد أباطرة الاحتكار ليكون الفقراء ومحدودو الدخل هم الضحية الأساسية لذلك. وأضاف عبد الفتاح أن تحرير سعر صرف الجنيه سيعيد من جديد تكرار أزمة اليورو بعدما قررت اليونان تحرير سعر الصرف الخاص به وكان السبب الرئيسي وراء الأزمة الاقتصادية بها بل جعلها تواجه خطر الافلاس.