فى إطار جهود الدولة لتجميل صورة شوارع وميادين المحروسة وبعد نجاحها فى هز عرش إمبراطورية الباعة الجائلين وإزالة حالة العشوائية والفوضى التى كانت تسود شوارع وسط البلد .. آن الأوان لفتح باب ظاهرة أخرى تحكمها قواعد ويسيطر عليه مافيا من البلطجية والخارجين على القانون وتكشف عن عوار مجتمعى غابت فيه روح التكافل وعلا فيه صوت الفقر والعوز.. إنهم المتسولون المنتشرون فى كافة الشوارع والميادين ووسائل المواصلات ومترو الأنفاق، يتفننون فى أساليب التسول ويبتكرون الجديد كل يوم لاستعطاف المواطنين وإثارة مشاعر الشفقة والعطف عليهم فى حين أن كثيرا منهم اتخذها مهنة وحرفة يتكسبون منها بل ويكونون ثروات بالملايين .. الظاهرة جد خطيرة وفى تزايد مستمر يسيء إلى صورة المجتمع ودولة قامت فيها ثورتان تحت شعار العدالة الاجتماعية . تسول موسمى الأرقام تشير إلى أن مصر بها أكثر من مليونى متسول 47% منهم نساء وتزداد أعدادهم فى فترات المواسم والأعياد وهو ما يعرف بالمتسول الموسمى، وهناك من المتسولين أنواع فلم يعد المتسول بصورته التقليدية فقط التى تعتمد على وجود عاهة فى جسده سواء بتجبيس إحدى قدميه أو يديه أو إظهار جرح متقيح فى جسده أو امرأة تحمل طفلا مريضا فهناك أساليب أخرى مثل حمل بعض أوراق وروشتات طبية ويدعى أن أحد أبنائه مريض أو هو شخصيا فى حاجة إلى علاج أو أنها سيدة مغتربة فقدت أموالها وتحتاج إلى تذكرة السفر إلى بلدتها وغيرها من الحيل والألاعيب. ووفقاً لدراسات حديثة صادرة عن المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية؛ فإن شوارع القاهرة احتلت المركز الأول فى أعداد المتسولين ب 4333 متسولًا، تليها محافظة الإسكندرية باحتوائها على 1572 متسولًا، كما أكدت الدراسة أن 3.14% من المتسولين يتم إجبارهم على ممارسة التسول بغير إرادتهم، كذلك فإن 75% من المتسولين يحملون صفة متسولى المواسم مثل رمضان والأعياد، وهم المتسولون الذين ينزلون للعمل فى المواسم والأعياد والمناسبات الرسمية اعتقاداً منهم أن هناك زيادة فى الرزق فى تلك الأوقات من العام. سياسات العلاج الدكتور زياد موسى أستاذ الاجتماع يرى أن التسول ظاهرة خطيرة موجودة في المجتمع منذ فترة طويلة، ومنتشرة في العديد من الدول، واعتبرها مرضا أو وباء إذا لم نعالجه انتشر واستشرى في جسد المجتمع. ويضيف الدكتور زياد فى دراسته حول "ظاهرة التسول الأسباب والحلول" أن هناك أسبابا عدة للتسول، البعض لجأ إلى التسول مضطراً في البداية نتيجة للفقر أو المرض ثم بسبب الدخل المرتفع احترف التسول وجعلها مهنة مربحة له، والبعض الآخر ورث مهنة التسول من أحد أبويه أو كليهما، والبعض قد يكون فريسة لتنظيم عصابي خطفه صغيراً وجعله يعمل متسولاً، هذا بالإضافة إلى أطفال الشوارع الذين لا مأوى لهم، نجد أن بعضهم قد يكون متسولاً، وبعضهم قد يكون مجرماً، وكذلك المال الوفير الذي يجنيه محترفو التسول قد يغري بعض العاطلين والفقراء على التسول ويعزز ذلك ضعف الرادع القانوني ولعلاج هذه الظاهرة تشير الدراسة إلى ضرورة اتباع ثلاث سياسات، أولها: تجفيف منابع التسول، فهناك خطوات عديدة لتحقيق ذلك، أهمها محاربة الفقر والبطالة، وذلك بتوفير فرص عمل للقادرين على العمل، وتشجيع الاستثمارات، وخلق فرص عمل جديدة وفي نفس الوقت نشر الوعي الديني للحض على العمل، حيث إنه في مواضع كثيرة من القرآن يأمرنا الله عز وجل بالعمل، منها قوله عز وجل: "وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" (التوبة 105) ، وكذلك في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحثنا على العمل. ولكي نجفف منابع التسول يجب كذلك أن تصل المساعدات المالية لمستحقيها من أموال الزكاة والصدقات عبر الجمعيات الأهلية، وعبر أجهزة الدولة المختلفة، ويكون إنفاق الزكاة والصدقات في مصارفها الشرعية كما أمرنا الله عز وجل في قوله "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم " (التوبة : آية60)، وأن تكفل الدولة والمؤسسات الأهلية غير القادرين على العمل وتكفل علاج المرضى الذين لا يملكون ثمن علاجهم. وكذلك يجب إعادة تأهيل المتسولين بإعداد وتنفيذ برامج مناسبة لتعليمهم حرفا يدوية مناسبة لقدراتهم، أو مساعدتهم لعمل مشاريع تجارية صغيرة كأكشاك وخلافه. وبعد تنفيذ البندين السابقين لمحاربة ظاهرة التسول يجب تغليظ العقوبات على المتسولين، ومن يتكرر القبض عليه بتهمة التسول أقترح أن تكون العقوبة أكثر غلظة ممن يتم القبض عليهم لأول مرة.