عندما بدأت ثورة 17 فبراير الليبية وتداعى واستجاب لها الليبيون ، وبطريقة تلقائية مدهشة ولافتة ، وبغير تنسيق مسبق ، وفيما يشبه المعجزة ، فى شتى أنحاء ليبيا من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها ، أُسقط فى يد القذافى ، وأصابته حالة من الدهشة والصدمة معاً ، و لعدة أيام عجز خلالها حتى عن الكلام والظهور العلنى المباشر ، فخرج نيابة عنه أبنه سيف الإسلام القذافى ، والذى كنا نعتقد إنه الوحيد ، ربما ، من كل أبناء القذافى الذى لديه بعض العقل وليس أى حق ، بطبيعة الحال ، فى التسلط على ليبيا والشعب الليبى ، أو وراثة ابيه القذافى فى حكم ليبيا ... وبما إنه نال قسطا لا بأس به من تعليمه الأكاديمى فى جامعات الغرب المحترمة فكنا نفترض أيضاً إنه إكتسب بعضاً من قيم الغرب ، خاصة فيما يتعلق بالديمقراطية والحريات وإحترام حقوق الإنسان ، ومن ثم احترام حقوق الشعوب فى اختيار ، أو عزل ، حكامها وكذا حق تقرير مصيرها بدون وصاية خارجية أو داخلية قذافية فإذا بنا نجد الجينات القذافية الفطرية الوراثية قد غطت وغلبت وتغلبت على من سواها من أية سمات حضارية ، أو متحضرة مكتسبة ، أو حتى إصلاحية كان بزعمها ويتزعمها ، آخرى ، وبدا وكأنه يزايد على أبيه نفسه فى التطرف والجنون واحتقار وتهديد الشعب الليبي بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا لم يعودوا عن ثورتهم ويعودوا طائعين خانعين ، راضيين أو غير راضيين ، إلى حظيرة ، أو خيمة ، القذافى ...! وفى كل مرة خرج فيها القذافى بعد اندلاع ثورة الشعب الليبي ضده ليتحدث إليهم أو إلى العالم ، لم يشك لحظة أى مما شاهده بأن ذلك الرجل إما إنه معزول تماماً ، كما يجهل تماماً ، حقيقة ما يحدث فى ليبيا ، أو إنه يرفض ولا يريد أن يصدق أن هناك ثورة فى ليبيا ضده وضد نظام حكمه ، أو إنه ليس فى كامل قواه العقلية ، وأنه قد فقد حتى اتزانه النفسى . وهذا لا يمنع بأية حال من أن القدافى يتمتع بعقلية تآمرية ولكن فقط ، وللأسف ، ضد شعبه ، وليس ضد أى أحد آخر لا بأس بها ، خاصة عندما عقد مؤتمراً صحافياً منذ عدة أيام فى طرابلس وقال ما معناه أنه لا توجد هناك مظاهرات فى أى مكان فى ليبيا ، ثم أردف قائلا ؛ "ولا توجد مظاهرات فى بنغازي ولا فى البيضاء ولا فى طبرق ولا طرابلس ، وأن الشعب الليبي يحبه " ... ثم كرر بعدئذ ما سبق وأن قاله فى بداية الثورة الليبية ضده قائلا ما معناه ؛ " كل ما هنالك أن هناك مجموعة من القاعدة ، مثل مجموعة الزرقاوى ، دخلت إلى ليبيا ، وتريد أن تنشأ إمارات إسلامية فى المدن الليبية ، وصارت تقتل الليبيين ... ونحن قلنا لهم تعالوا نتحاور ، ما طلباتكم ، نحن لا نريد أن نقاتلكم ، فقالوا لنا ليس لنا طلبات ، نحن نريد فقط أن نقاتل ونقتل الليبيين ... هؤلاء يريدوا أن يفعلوا فى ليبيا مثلما فعل بن لادن فى نيويورك فى برج التجارة ... ونحن فى ليبيا سوف نكون مضطرون للدفاع عن أنفسنا بشتى السبل .." وواضح من كلام القذافى إنه يريد أولا ً أن يبرر ويتذرع بما سوف يقوم به لاحقاً من حرب إبادة ضد الليبيين المتظاهرين السلميين المسالمين العزل ضد نظام حكمه من ناحية ، و أن يستعدى الولاياتالمتحدة ، ومن ثم الغرب ضد شعبه من ناحية آخرى ، وأيضاً استدرار عطفهم واستمالتهم إلى جانبه فى قتله ضد الشعب الليبي من ناحية آخري ، ومن ثم إرسال رسالة مبطنه أيضاً إلى الغرب بأنه أى القذافى حليفهم ، على الأقل فى ليبيا ، فى حملتهم وفى حربهم حسب زعم القذافى على الإرهاب الأصولي الإسلامي حتى ولو أقتضى الأمر ذبح الشعب الليبي كله،وإنهم أي الغرب يجب أن يساعدوه فى ذلك ولا يقفوا حجر عثرة دون قضاءه على الشعب الليبي ...! وقد فند حتى من أنشق عن القذافى من وزراء وقادة عسكريون ليبيون ، وأيضاً مقربون وأقارب للقذافى نفسه تلك المزاعم القذافية المريضة ضد شعبه ، والتى أطلقها القذافى فقط من أجل أن يستمر فى حكمه...! و الغريب فى الأمر أن الليبيين يهتفون دائماً قائلين : " سلمية سلمية " ، كما يهدفون حسيساً إلى ذلك ، وكل العالم يعلم ذلك ، وكما كان هو الحال فى كال من تونس ومصر ، إلا أن القذافى لا يزال يريد ويصر على أن تكون دموية دموية ، وتحقيقاً لذلك شرع القذافى فى قصف شعبه بالطائرات والمدفعية الثقيلة ...! وكما كان مبارك يقول قبل وبعد كل انتخاباته المزورة إنها كانت حرة ونزيهة ، فإن القذافى كذب أيضاً ، وعلى نفس طريقة مبارك ، حينما قال أنه لا توجد مظاهرات فى ليبيا ...! فتلك هى إذن كانت أبرز القوائم المشتركة بين حكام الفساد والظلم والقهر والاستبداد على امتداد وطننا العربي الكبير من المشرق إلى المغرب ...!