بعد أن خاضت القيادة الفلسطينية شرف معركة تحقيق شرعية دولية للدولة الفلسطينية عبر الطرق الدبلوماسية ومن خلال عضوية فلسطين كدولة كاملة العضوية بالأممالمتحدة وبعد أن وضعت عيون العالم على حجم الهم الفلسطيني وضرورة حل الصراع وضرورة أن يقول العالم كلمته العادلة في هذا الصراع الطويل لينتهي هذا الهم التاريخي وبعد تجميد الطلب الفلسطيني من قبل مجلس الأمن , وبعد أن استنفذت كل ما لديها من تحركات ومساعي دولية وعربية لتامين ولادة طبيعية للدولة الفلسطينية على حدود العام 1967خلال هذه المرحلة, ومع هذا الإحباط تتجه أنظار العالم اجمع نحو قيادة الدولة الفلسطينية الحديثة للحصول على أجابه للسؤال الخطير الذي يدور في أروقة السياسية الدولية وهو , هل يبقي الرئيس أبو مازن في دائرة الترويج لحل الصراع بالطرق السلمية والبرامج التفاوضية لتحقيق سلام عادل ؟, وهل يستطيع الفلسطينيين مواصلة الكفاح السلمي من اجل تحقيق مشروع الدولتين ؟ ومع هذه التساؤلات يتوقع البعض أن يكون الرئيس أبو مازن قد وصل إلى نهاية الطريق السياسي الموصل لحل مشرف لكافة القضايا الفلسطينية التي أنتجها الصراع مع إسرائيل وبهذا فان الطريق أغلق الآن بالكامل أمام الرئيس الفلسطيني ليأتي السؤال , هل يقدم الرئيس محمود عباس على حل السلطة الفلسطينية وفك كافة الروابط مع إسرائيل والإيعاز لقادة منظمة التحرير و أعضاء اللجنتين التنفيذية والمركزية للرحيل خارج الوطن وإبقاء قيادة سياسية ميدانية فقط لمتابعة الأمور وبالتالي يصبح إدارة الصراع من الخارج , وهنا يترك ارث ثقيل لإسرائيل لتتحمله بمكوناته الأمنية والاقتصادية والصحية والتعليمية وما إلى ذلك من تابعيات, وهذا الإرث سيفقد إسرائيل بالطبع القدرة على الالتزام الكامل بكافة برامج دولة إسرائيل العنصرية وغير العنصرية بما فيها الاستيطان , لكن حل السلطة الفلسطينية في وقت مبكر وبعد خوض معركة أولى مع مجلس الأمن والأممالمتحدة ودون إستراتيجية واضحة للعمل السياسي المستقل تجعل من هذا القرار خطراً كبيرا وخسارة لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين والعرب وأعضاء المجتمع الدولي على حد سواء ,وخسارة الفلسطينيين هنا أن هذا يعتبر أخر ما بحوزة الساسة الفلسطينيين وقيادة منظمة التحرير من خيارات إلا في حالة البديل وهي الدولة العميقة بالمفهوم الكامل وهي عبارة عن دولة سرية قائمة من خلال تحالفات فلسطينية وعربية واسعة النطاق تعمل بمجملها لفكرة حماية الأرض الفلسطينية بأي ثمن كان ومقاومة الاستيطان بأي شكل كان , وهذا يعتبر في حد نظري البديل الطبيعي لمواجهة حالة التطرف الإسرائيلية ولكن إن لم تترافق هذا التصور مع حركة كفاح مستمر على جميع الجبهات يقض مضاجع الإسرائيليين بكل مكان فان البديل لن ينجح وسيكون بمثابة دولة من ورق وقادة من دمي و حركة لن تأتي بثمار على المستوي القريب , وخسارة على المستوي العربي لان الشارع العربي سيزداد درجة تمرده وسيكون سبب من أسباب محاولة الشعوب التحجج بالعجز العربي لحل الصراع الطويل وبالتالي ستسعي الشعوب لتغير أنظمة جديدة وبالأخص تلك التي تبيض في أقفاص أمريكا ولا تنتظر أن يفقس بيضها يوما من الأيام وهنا يخسر العرب خطوة كانت ممكن أن تضمن امن وسلامة واستقرار المنطقة العربية في مرحلة الربيع العربي . أما الخسارة التي ستخسرها إسرائيل فهي مركبة لأنها خسارة سياسية اقتصادية أمنية متداخلة العناصر , فلا يمكن لإسرائيل لان تضمن امن مواطنيها في حالة سيكون الكل الفلسطيني كتلة من نار ولا فرق هنا بين فلسطينيي الداخل وفلسطينيي الضفة وغزة أو فلسطيني الشتات في نفس الوقت لن تجد إسرائيل البديل عن الرئيس أبو مازن حتى لو كان من صناعتها لان أحدا لا يمكن أن يقامر بنفسه وبهذا ستخسر إسرائيل فرصة نادرة التكرار لإحلال السلام وضمان الأمن والاستقرار لشعبها الذي سيكابد وسيخسر من جديد , ومع هذه الخسارة سيكسب الفلسطينيين تحريك الجمهور الإسرائيلي الذي جرب الاستقرار وميز بين عهد الأمن والعهد الذي جلبه لها تطرف نتنياهو وانحياز أمريكا لجانب هذا التطرف وقد تكون نهاية التطرف الإسرائيلي لمرحلة طويلة قادمة , أما على المستوي الدولي فان العالم سيخسر فرصة نادرة لإنهاء جدي وفعلي للصراع الطويل عبر دور دولي نزيه يعيد الثقة لكل من مجلس الأمن و الأممالمتحدة كمنظمات راعية للسلم العالمي و حاميتان لحقوق الإنسان بالعالم . إن المرحلة القادمة من العمل السياسي الفلسطيني تتطلب إستراتيجية توقف الاستيطان المعيق الرئيس لوصول الطرفين للسلام الحقيقي والإستراتيجية هنا تكون مختلفة المقاييس والوسائل و الآليات عن إستراتيجية الفترة الماضية وهذه الإستراتيجية لابد وان يرسمها ويحدد معالمها الكل الفلسطيني موحدا لا منقسما مشتتا , وهذه الإستراتيجية لابد وان تأخذ بعين الاعتبار التحديات الجسام التي يواجهها الشعب الفلسطيني وأن تكون على مستوي المقابل المتطرف الذي لا يريد العيش في سلام ولا يريد إنهاء الصراع بالطرق السلمية العادلة بقدر ما يريد رسم خريطة لذاته على حساب طموحات ورغبات وآمال شعب عاني طويلا من جنون الاحتلال البغيض وحقد وعنصرية قادته. [email protected]