رئيس مجلس الدولة يشدد على سرعة نظر القضايا لتحقيق العدالة الناجزة    وزير الكهرباء يغادر إلى روسيا للمشاركة في اجتماعات وزراء طاقة دول البريكس    رئيس الوزراء يترأس اجتماع المجلس الأعلى للأمن السيبراني    تأكيد مشاركة 45 وزيرًا و70 رئيس مدينة حتي الآن.. تفاعل دولي ومحلي واسع لاستضافة مصر المنتدى الحضري العالمي 4 فبراير المقبل لتدشين حقبة جديدة للتنمية العمرانية    البنك المركزي المصري يقبل ودائع بقيمة 848.4 مليار جنيه    الحجز عن طريق أجهزة المدن.. تفاصيل طرح شقق جديدة الأحد المقبل- صور وفيديو    لماذا لا تريد إسرائيل وحزب الله إطلاق مصطلح 'حرب' على الصراع الحالي بينهما؟    جيش الاحتلال يؤكد اغتيال قائد المنظومة الصاروخية في حزب الله إبراهيم القبيسي    وزير الخارجية والهجرة يتسلم الجائزة المقدمة إلى الرئيس السيسي لجهوده في حشد التمويل لمشروعات تدعم التكامل الإقليمي    في عمر ال29 عامًا.. نجل زيدان يعتزل كرة القدم    الكاف يكشف عن طاقم حكام مباراة مصر وموريتانيا في تصفيات أمم أفريقيا    وزارة الرياضة تنفذ سلسلة من الأنشطة المتنوعة للنشء بمراكز الشباب    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بميدان الرماية    3 مصابين في تصادم ميكروباص بعدة سيارات بميدان الرماية    أهالي "كفر الأشقم" بالشرقية يسغيثون: بقالنا 3 سنين من غير مياه | صور    إيقاعات سعيد الأرتيست فى حفل تنمية المواهب بالأوبرا    الطاهرى: طاقم "القاهرة الإخبارية" فى بيروت يوزع المياه لنازحى الجنوب.. فيديو    هيئة الكتاب تشارك ب500 عنوان فى معرض الكتاب بنقابة الصحفيين    مريم الجندي: الاختيار 2 أهم خطوة في مسيرتي    وزير الثقافة يكرم السوبرانو فاطمة سعيد لفوزها بجائزة الثقافة الأوروبية    طريقة عمل الكفتة المشوية، لغداء سريع التحضير ومغذي    منظمة الصحة العالمية | 30 ألف حالة اشتباه ب«جدري القردة» في إفريقيا    صحة مطروح: تقديم 93 ألف خدمة طبية ضمن المبادرة الرئاسية "بداية"    أحمد عيد عبدالملك يحذر لاعبي الزمالك من «خدعة كولر»    بكتيريا «الإيكولاي».. انتبه لأطفالك في المدرسة    رئيس جامعة القاهرة: لدينا علاقات قوية مع الجامعات الصينية ونبحث تبادل الزيارات والبرامج المزدوجة    تين هاج: أنا مشجع لفريق تفينتى ولم أرغب فى مواجهته    وزير العمل: مصر تدعم كل عمل عربي مشترك يؤدي إلى التنمية وتوفير فرص العمل للشباب    بمجموعة من الإعفاءات.. «الضرائب»: النظام المتكامل للممولين يتميز بالتعامل مع كافة الأوعية    اتحاد الكرة يعلن عن تشكيل الجهاز الفني لمنتخب الشباب بقيادة روجيرو ميكالي    وزير الخارجية: قضية المياه وجودية لمصر ولن نسمح لأي دولة بالتصرف وفق أهوائها    المشاط تلتقي ممثلي «منتدى الشباب» ضمن قمة المستقبل 2024 بنيويورك    رابط إعلان نتيحة تقليل الاغتراب والتحويلات لطلاب الشهادات الفنية 3 و5 سنوات    وزيرة التضامن تتوجه إلى جنيف للمشاركة في فعاليات الدورة ال 57 لمجلس حقوق الإنسان    «إلغاء الوجبات المجانية على الطائرات».. توجه عالمي لشراء المأكولات قبل السفر (تفاصيل)    أحكام بالسجن والغرامة ل9 متهمين في قضية انقلاب قطار طوخ    الشلماني يثير حفيظة القطبين قبل موقعة السوبر    CNN: استراتيجية ترامب فى إثارة مخاوف الناخبين بشأن الاقتصاد تحقق نجاحا    طقس الفيوم.. انخفاض درجة الحرارة والعظمى تسجل 33°    عاجل| السيسي يصدر توجيها جديدا بشأن تنمية جنوب سيناء    صوت الإشارة.. قصة ملهمة وبطل حقيقي |فيديو    حبس عاطل ضبط وبحوزتi مواد مخدرة قبل ترويجهم على المتعاطين بالمنوفية    الإسماعيلي ينتظر رد «فيفا» اليوم لحسم ملف خليفة إيهاب جلال (خاص)    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية لمشروع مراكز القيادة الاستراتيجي التعبوي التخصصي    باستخدام كبرى العلامات التجارية.. التحقيق في واقعة ضبط مصنع أسمدة منتهية الصلاحية بالغربية    ضغوطات وتحديات في العمل.. توقعات برج الحمل في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر 2024    وفاة الفنان محمود صفا وزوجته في حادث سير مروع    النزلات المعوية.. مستشار الرئيس: نستنفر لخدمة المرضى دون تأخير.. ده واجب قومي علينا    وزير الخارجية: لا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية واجتماعية دون أمن واستقرار    العراق يمنح سمات الدخول إلى اللبنانيين الواصلين إلى المنافذ الحدودية    شوبير يعلق على قائمة الأهلي للسوبر الأفريقي: لا صحة لوجود حارسين فقط    الصحة تعلن حصول 3 مستشفيات على شهادة اعتماد الجودة من GAHAR    ما حكم الخطأ في قراءة القرآن أثناء الصلاة؟.. «اعرف الرأي الشرعي»    بالفيديو.. أسامة قابيل للطلاب: العلم عبادة فاخلصوا النية فيه    الإفتاء: الإسلام حرم نشر الشائعات وترويجها وتوعد فاعل ذلك بالعقاب الأليم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 24-9-2024 في محافظة قنا    أضف إلى معلوماتك الدينية| دار الإفتاء توضح كيفية إحسان الصلاة على النبي    جيش الاحتلال الإسرائيلي: صفارات الإنذار تدوى جنوب وشرق حيفا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وسام..ورتبة فخرية من السادات
نشر في المساء يوم 02 - 06 - 2012

اتاحت ظروف عمل المفكر والكاتب الكبير عبده مباشر في بلاط صاحبة الجلالة لأكثر من نصف قرن فرصا للاقتراب من رؤساء مصر الثلاثة ناصر والسادات ومبارك.. وعن الظروف والاسباب يكتب مجموعة من المقالات يكشف فيها الكثير من الاسرار والخفايا التي كانت تجري في الشارع الخلفي بعيدا عن الأضواء.. وعلي هذه الصفحة تنشر "المساء الأسبوعية" مقالات الكاتب الكبير.
يمكن القول إن حرب الاستنزاف بدأت قبل أن تتوقف نيران معركة يونيه 1967. عندما طلب اللواء صادق مدير المخابرات الحربية من المقدم إبراهيم الرفاعي عبور القناة مع مجموعة من رجاله لإعداد كمين بالقرب من رمانة علي الطريق الساحلي لعرقلة تقدم القوات الإسرائيلية التي تتحرك بسرعة من العريش في اتجاه مضايق سيناء لإغلاق مخارجها من ناحية الغرب. ومنع القوات المصرية المنسحبة من مواصلة انسحابها حتي يتم حصارها داخل المضايق بالطوابير المدرعة الإسرائيلية التي تطاردها من ناحية الشرق.
هذه الخطة التي أطلق الإسرائيليون عليها "المطرقة والسندان". وكانت القوات المتقدمة من اتجاه الشرق هي المطرقة. في حين شكلت القوات المتقدمة علي الطريق الساحلي السندان. وكان الهدف تدمير القوات المصرية المنسحبة فيما بين المطرقة والسندان.
وكان هدف اللواء صادق مدير المخابرات الحربية هو تأخير وصول القوات الإسرائيلية لفترة تسمح بعبور نسبة كبيرة من القوات المنسحبة.
وتمكن الرفاعي مع مجموعة محدودة من قوات الصاعقة من عبور القناة. وتحرك بسرعة علي الطريق الساحلي من القنطرة شرق إلي منطقة رمانة. وهناك أعد عدة كمائن اعتمد فيها علي بث ألغام علي جانبي الطريق في عدة مناطق. ونشر قواته في مواقع حاكمة ومسيطرة للاشتباك مع القوات الإسرائيلية بعد انفجار الألغام.
ولم تكن القوات الإسرائيلية في تقدمها تتوقع أي مقاومة. بعد أن انهارت القيادة والقوات من جراء أمر الانسحاب الذي صدر شفاهة من القيادة السياسية للقوات الموجودة في سيناء في بداية المعركة.
وتابع الإسرائيليون الفوضي التي سادت كل سيناء من جراء عشوائية القرار الذي تجاهل كل ما نصت عليه العلوم العسكرية ومبادئ وقواعد الحرب والأساليب والخطط التي يجب أن تُتبع وتُراعي عند إصدار مثل هذا الأمر.
وكانت صدمة قائد القوات الإسرائيلية المتقدمة كبيرة عندما اصطدم بالكمين.. وأمام انفجار الألغام والنيران الكثيفة التي تعرضت لها قواته. أمر بوقف التقدم والانتشار. فقد استنتج وجود قوة مصرية كبيرة لم ترصدها عمليات الاستطلاع.. وطلب تدخل القوات الجوية لإسكات النيران. والقضاء علي هذه القوة قبل أن يواصل التقدم.
وبسرعة انسحبت قوات الكمين إلي موقع آخر.
ومر وقت طويل قبل أن تعاود القوات الإسرائيلية التقدم لتصطدم بالكمين التالي. وتعود وتتوقف. وتطلب المساعدة من القوات الجوية.
وهنا يقرر الرفاعي الانسحاب والعودة إلي غرب القناة بعد أن حقق الهدف من مهمته.
وكانت تلك العملية. هي بداية العمل ضد القوات الإسرائيلية في سيناء. ونقطة الانطلاق علي طريق رفض الهزيمة. وضرورة الاستعداد للمعركة المقبلة.
ولأن إبراهيم الرفاعي اجتهد في تنفيذ المهمة. وعمل من أجل تحقيق الهدف المطلوب بصورة تتجاوز ما طلب منه. فقد كان المطلوب إعداد كمين لعرقلة تقدم القوات الإسرائيلية. حتي تتاح الفرصة أمام نسبة من القوات المنسحبة للوصول إلي غرب القناة. ولكنه أعد كمينين. ودافع عن الأول بالنيران. أي اشتبك مع القوة المتقدمة بالرغم من أنها طابور مدرع. وأن الحجم لا يقارن بقوة مجموعته المقاتلة محدودة العدد. لكي يجبرها علي التوقف. ثم أعد الكمين الثاني علي مسافة من الكمين الأول.
وأدي الكمينان دورهما في عرقلة تقدم القوات الإسرائيلية لفترة أطول مما توقع اللواء محمد صادق. فقد استحق أن يكون المرشح الوحيد لقيادة القوة الفدائية التي ستتحمل مسئولية تنفيذ عمليات خلف خطوط العدو.
وقاد إبراهيم الرفاعي مجموعة من الكوماندوز التي حملت اسم المجموعة 39 قتال. ونفذ مئات العمليات طوال سنوات حرب الاستنزاف.
وبهذه العمليات تمكن من تحطيم أسطورة القائد والمقاتل الإسرائيلي السوبر الذي لا يقهر. وعمل علي تشجيع القوات الموجودة بالجبهة علي تنفيذ عمليات ضد قوات الاحتلال. وهكذا تم التوسع في عمليات الاشتباك مع العدو.. وأدرك الجميع أن الانتصار ممكن. بل وضروري.
وتتوقف معارك الاستنزاف اعتباراً من أغسطس 1970. تنفيذاً لمبادرة روجرز. وزير الخارجية الأمريكي. التي قبلتها كل من مصر وإسرائيل.
ويرحل عبدالناصر عن عالمنا. ويتحمل السادات المسئولية بعده. وتشهد مصر صراعاً علي السلطة بينه وبين مجموعة الورثة. ينتهي بانتصار السادات.
ويقرر السادات تكريم المجموعة 39 قتال. تقديراً لدورها الكبير وإنجازاتها التاريخية. ويحمل التكريم رسالة إيجابية للفريق أول صادق. وزير الحربية الذي شمل هذه المجموعة بالرعاية والإشراف الكامل منذ ما قبل ميلادها. وحتي لحظة إقالته في أكتوبر .1972
وتحدد يوم 12 أغسطس 1971 للتكريم. وخلال مراحل الاستعداد لهذا الاحتفال. رفضت الوقوف في طابور العرض بالزي العسكري. وصممت علي ارتداء الزي المدني.. وأشرح للجميع أسبابي ومنطقي.. لقد تطوعت بالضفة المدنية. وقبل جمال عبدالناصر تطوعي. وقاتلت مع المجموعة كمتطوع مدني. وبالتالي لا أجد مبرراً أو سبباً يحول بيني وبين الاشتراك في الطابور بنفس الصفة التي تطوعت بها.
ويرفض كل من اللواء عزالدين مختار. نائب مدير المخابرات. الموافقة علي طلبي. ويحاول كل منهما إقناعي بارتداء الزي العسكري. ويؤكدان أنهما لن يسمحا بوقوف مدني في طابور عسكري.. وأعلن لهما أنني لن أشارك إلا بنفس الصفة التي تطوعت وقاتلت بها.. وحاول كثيرون إثنائي عن موقفي دون جدوي.
ولأن ما أطالب به بالرغم من وجاهته. ووضوح المنطق الذي يستند إليه. مخالف للمألوف. وما جري عليه العمل. فقد تقرر رفع الأمر إلي المستويات القيادية الأعلي. خاصة أن قيادة المجموعة 39 قتال. كانت تتبني وجهة نظري. وتري أن من حقي أن أشترك في الطابور بصفتي المدنية.
ويصل الأمر مرة أخري إلي رئيس الجمهورية. القائد الأعلي. وهو السادات.. وبعد أن يستمع إلي وجهتي النظر. يحسم الأمر ويقول للقادة العسكريين: إذا كنتم قد قبلتم طلبه للتطوع بالصفة المدنية. فلماذا تنكرون عليه حقه الآن في الاشتراك في طابور التكريم بهذه الصفة؟!
.. وفي أول.. وربما آخر استثناء من نوعه في تاريخ القوات المسلحة.. أشترك في طابور العرض يوم تكريم المجموعة 39 قتال بالزي المدني. وأقف مع الرجال الذين قاتلت معهم. وشاركتهم حياتهم بقدر ما سمحت به الظروف. مرتدياً البدلة المدنية. وأحمل علي كتفي جهاز تسجيل. ويأتي دوري لأصافح الرئيس. وأقدم له نفسي وصفتي. فيتوقف مشجعاً وشاكراً ما قمت به. ويطلب من الفريق أول صادق. وزير الحربية تكريمي. ومنحي رتبة عسكرية فخرية. أو وساماً عسكرياً. وقال كلاماً طيباً كثيراً في حقي. علي مرأي ومسمع من الجميع.
وينفذ الوزير طلب الرئيس. ويتم منحي نوط الشجاعة من الطبقة الأولي. ويصدر قرار بتكليفي برتبة الرائد لأواصل حمل مسئولياتي بالمجموعة 39 قتال بجانب عملي في جريدة "الأهرام".
ومثلما كان الاستثناء الأول من الرئيس جمال عبدالناصر بقبول تطوعي بالمجموعة 39 قتال. ملفتاً للنظر ومؤثراً بعمق في حياتي ومسيرتي الصحفية. فإن الاستثناء الثاني بقبول وجودي في طابور عسكري بالزي المدني في مناسبة تكريم المجموعة 39 قتال. كان ملفتاً للنظر بشكل أوضح لعلنية المناسبة التي تمت تغطيتها إعلامياً. إلا أنه لم يؤثر بنفس العمق علي حياتي أو علي عملي.
والذي لا شك فيه أن الاستثناءين حُفرا بعمق. وتركا تأثيراً قوياً. وجميلاً وفعالاً علي حياتي.
ولم أكن أعرف وأنا في طابور التكريم.. أن الرجل الذي أشاد بي وبدوري. وأمر بمنحي رتبة عسكرية فخرية. ووساماً عسكرياً.. سيقرر بعد 15 شهراً فصلي من عملي!!
هذه الفترة شهدت أحداثاً كثيرة فرضتها الظروف. ومنها دوري في مظاهرات يونيه .1972
وكان طلبة الجامعات قد بدأوا الاحتشاد والتظاهر للمطالبة بالحرب. وواكب ذلك انضمام نخبة من الكُتَّاب والمفكرين والمثقفين والصحفيين للجموع المطالبة بالحرب. ووقعوا بذلك وثيقة أرسلوها للرئيس السادات.
وفوجئ الموجودون داخل مبني "الأهرام" الجديد بشارع الجلاء بجموع المتظاهرين تحتشد أمام المبني. وتهتف هتافات معادية. منها: "هيكل.. هيكل.. يا خدام.. يا مزيف الأحلام".. بجانب الهتاف بسقوط الرئيس السادات.. وطالب المتظاهرون بالحرب لتحرير الأرض المحتلة. ونصرة الثورة الفلسطينية. ومواجهة المخططات الأمريكية والإسرائيلية.
كان الحشد يمتد من أول شارع الصحافة وحتي نهاية مبني مجمع المحاكم المجاور للأهرام بشارع الجلاء وفقاً لتقدير البعض. كان هناك ما يقرب من 10 آلاف متظاهر علي رأسهم الطلبة. ولكن كان هناك مواطنون وعدد لا بأس به من "فئران الشوارع".
كان الصخب عالياً أمام المبني الحديث بواجهاته الزجاجية الأنيقة. ومن نوافذ المبني المطلة علي شارع الجلاء. اتجه كثير من الموجودين داخل المبني بأبصارهم إلي الخارج لاستكشاف الأمر ومعرفة ماذا يجري. فتبينوا وجود هذه الحشود الغاضبة المزمجرة.
وتوقفت عجلة العمل علي الأقل بالأدوار المخصصة للتحرير. وأبطأت في باقي الإدارات. واتجهت أعداد كبيرة من الكُتَّاب والصحفيين والمديرين والمسئولين والإداريين والعمال إلي الدور الأرضي. وتجمعت في بهو المدخل الرئيسي. ومن خلف زجاج الواجهة. وقفوا ينظرون إلي جموع المتظاهرين وهم يزأرون في سخط.
ومع استمرار المتظاهرين في ترديد هتافاتهم التي تصك الأسماع. وتزايد أعداد اللافتات المرفوعة والتي تحمل شعاراتهم ومطالبهم. بدأ القلق ينتاب أبناء أسرة "الأهرام" وتحسبوا من احتمالات تطور الموقف تطوراً غير محسوب.
وعندما تلفتوا حولهم بحثاً عن مخرج. تبينوا أنه لا مخرج من هذا الموقف العصيب.. وكان المسئولون بالأهرام يعلمون أن الأستاذ هيكل ليس موجوداً بالأهرام ليتولي التصرف ومواجهة هذه المشاكل بما هو معروف عنه من حنكة وخبرة وحكمة. وبالتالي فإنهم مطالبون بحمل المسئولية. ولكن كيف؟!.. ولم يكن هناك من يملك الإجابة.
وتعلق الجميع بالأمل في أن تنفرج الأمور بشكل تلقائي. أو أن تتحرك المظاهرة بعيداً بعد أن حققت هدفها. ولكن هذا الأمل بدأ يتسرب من بين أيدي الجميع مع استمرار المتظاهرين في أماكنهم. ومواصلتهم ترديد نفس الهتافات.
وهذه المظاهرة لم تكن سوي امتداد واستمرار لموجات التظاهر التي عادت مجدداً إلي شوارع القاهرة وباقي محافظات مصر بعد أن ضعفت قبضة السلطة نتيجة لنكبة يونيه 1967. وقبل ذلك كانت المظاهرات قد اختفت تماماً فيما عدا تلك التي تتحرك بتعليمات من أهل الحكم. بعد أن استتب الأمر للرئيس عبدالناصر. وكانت جملة السياسات تضع أمن وحماية النظام في المقام الأول. وكانت بداية انطلاق موجات المظاهرات من جديد في فبراير 1968. وقد خرجت المظاهرة الأولي بتخطيط وموافقة النظام. بهدف امتصاص غضب المواطنين من نتائج محاكمة قادة الهزيمة. ولكنها سرعان ما تحولت إلي مظاهرات معادية للنظام وسياساته. وتجددت المظاهرات في نوفمبر .1968
ولجأ النظام إلي أساليب القمع لوقف هذه الموجة. ولم ينس أهل القمة والسلطة أن رئيس الجمهورية كان قد أمر بإعداد طائرة للتوجه في رحلة إلي خارج مصر أثناء مظاهرات فبراير 1968. وذلك قبل أن تتمكن السلطة من تفريقها.
وعندما تولي السادات السلطة بعد وفاة عبدالناصر. ونجح في إزاحة مجموعة الورثة خلال عاصفة مايو 1971. اشتعلت نيران الكراهية في معسكر القوي اليسارية. ولم يغفر قادة هذه القوي للسادات اجتراءه علي الاصطدام بفريق عبدالناصر. وسدنة نظامه. والزج بعدد منهم في السجون. بالإضافة إلي عدد من قيادات اليسار بالرغم من أنه استعان بعدد من الشيوعيين للعمل كوزراء في الحكومات التي تشكلت طوال سنوات حكمه الأولي.
وبجانب هذا كانت قوي اليسار. تري فيما أقدم عليه السادات حرماناً لها من إمكانية السيطرة علي الأوضاع في مصر. ولم يكن بينهم "أي بين" اليساريين. وتحقيق حلمهم في اعتلاء قمة السلطة سوي خطوة أو بضع خطوات.
وفي بداية عام 1972. رأت قيادات قوي اليسار أن الظروف قد أصبحت مواتية للضغط علي السادات. وزعزعة الاستقرار في محاولة لتغيير خططه أو عرقلتها علي الأقل. والأهم لتشكيك المواطنين وقوي أخري بالخارج في قدرته علي قيادة مصر.
وهذه الظروف المواتية كما تصوروها. برزت بعد انتهاء عام 1971 الذي أطلق عليه السادات عام الحسم. دون حسم. وكان الحسم يعني إطلاق الحرب من عقالها. لتحرير الأراضي المحتلة.
ويوم 13 يناير 1972. ألقي السادات خطاباً أعلن فيه أن الضباب حال بينه وبين تنفيذ وعده بالحسم. ثم أوضح أن اندلاع الحرب بين الهند وباكستان في ديسمبر 1971. ورفض السوفييت فتح جبهة ثانية في نفس الوقت لانشغالهم بمساندة الهند في معركتها. كان وراء تأجيل الحسم.
ووجد قادة اليسار في طلبة الجامعات بغيتهم من أجل فتح جبهة معادية للنظام الساداتي. وفعلاً بدأت المجموعات اليسارية داخل الجامعة في العمل. وتشكلت لجنة وطنية للطلبة بعيداً عن اتحادات الطلبة لقيادة الحركة الطلابية.
وفي خطوة تالية. نظم الطلبة أسبوعاً للثورة الفلسطينية في بداية عام 1972. لإثارة مشاعر الطلبة وتأجيج حماسهم. والدعوة للمعركة. ومساندة الثورة الفلسطينية. ثم بدأت عمليات الاعتصام داخل الجامعات. خاصة جامعة القاهرة.
وبعد أن أخلت قوات الأمن جامعة القاهرة من المعتصمين. اتجه الطلبة لاحتلال ميدان التحرير لتوسيع نطاق المواجهة مع النظام وإثارة حماس الشارع المصري. وكسب تعاطفه ومحاولة جرجرته للاشتراك في الصدام ضد النظام.
وقضي الطلبة والطالبات الذين تجمعوا في ميدان التحرير ليلة 24 و25 يناير 1972 بالميدان. واستغلوا الوقت في توزيع المنشورات والمطبوعات والرسوم الكاريكاتورية علي المواطنين من المارة وركاب السيارات والأتوبيسات. وفي النهاية أنهت قوات الأمن هذا الاحتلال الطلابي للميدان. وعادت المظاهرات علي شكل مجموعات صغيرة ومتفرقة. وما أن يتم فض مظاهرة حتي تبدأ أخري. وبما يشير إلي وجود مركز عمليات وقيادة متطورة. ولا شك أن هناك خبرات كانت تعمل في هذا المركز لتقديم الاستشارة والنصح لمن يقودون حركة الطلبة.
وركزت هذه المظاهرات علي مهاجمة الرئيس السادات والسخرية منه ومن أسرته. وطالبت بالحرب وبفتح معسكرات التدريب أمام الطلبة. وتوفير السلاح لهم. وفتح الباب أمام المتطوعين.. كما هاجمت الحكومة باعتبارها حكومة هارفارد. لأنها كانت تضم ثلاثة وزراء من خريجي جامعة هارفارد الأمريكية. وهم: عزيز صدقي. ومحمد زكي هاشم. ومحمد عبدالله مرزبان.
وتضمنت الهتافات الهجوم علي عزيز صدقي. وسيد مرعي. وهيكل وموسي صبري. وهذه المجموعة هي التي ساندت السادات بقوة خلال عاصفة مايو .1971


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.