منذ نشأة الجنس البشري.. والإنسان يشكو من غياب العدالة أو ربما يشكو من عدم تلبية مطامعه .. ويسعي للاستئثار بمزايا ومكاسب حتي لو كانت علي حساب غيره أو حتي لو كان لا يستحقها من الأساس .. وربما نجد في قصة قابيل وهابيل ابني آدم ما يدل علي ذلك! وغياب العدالة مسألة نسبية .. لكن البعض يريد عدالة مطلقة. بمعني أن يتساوي البشر فيما يمتلكون أو فيما يحصلون عليه . بغض النظر عن الفروق الفردية والملكات والمواهب والقدرات الذهنية والجسدية التي حبا الله بها البعض دون غيرهم! البعض الآخر يري أن العدالة تقتصي أن يحصل كل فرد علي ما يستحقه بناء علي قدراته وإمكاناته وإبداعاته وما يبذله من جهد وعرق في سبيل ما يسعي للحصول عليه.. وإلا سوف يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون.. ويستوي أصحاب المواهب بغيرهم! ومن اختلاف هذه الرؤي للعدالة .. ومن مطامع البشر .. نشبت الثورات علي مر التاريخ البشري .. وكذلك انتشر الظلم والفساد نتيجة لاستيلاء البعض علي ما ليس من حقه أو الاستئثار بمزايا ومكاسب وهو ليس جديراً بها! وانعدام العدالة يضرب بجذوره في أعماق التاريخ .. ففي دراسة حديثة أجراها علماء الآثار والحفريات علي مقابر تعود للعصر الحجري في وسط أوروبا عثروا علي هياكل عظمية وقد دفنت معها فؤوس حجرية وتبين أن هؤلاء كانت لديهم أراض زراعية أكثر خصوبة وأكبر مساحة مقارنة بغيرهم .. كما تبين أن توريث الثروات قد بدأ فور انتشار الزراعة في القارة الأوروبية. ويقول العلماء .. إن انعدام العدالة الاجتماعية قد بدأ في وقت مبكر جداً ويعود إلي عصر أقدم كثيراً مما نتخيل . حيث إن هذه المقابر يرجع تاريخها إلي سبعة آلاف عام . وقد ثبت أن الأوروبيين كانوا منقمسين إلي فريقين: الذين يملكون والذين لا يملكون .. البعض يعاني من التخمة والسمنة والآخرون يعانون من الجوع وسوء التغذية .. وذلك منذ خمسة آلاف عام قبل الميلاد.. أي قبل أن يبني قدماء المصريين الاهرامات بحوالي ألفي عام! وإذا عدنا إلي الثورات الاجتماعية ..فسوف يلفت نظرنا أن هذه الثورات تتكرر ولا تتوقف علي مرا التاريخ .. رغم أن من يقودون أية ثورة ربما يتخيلون أنهم سيقيمون العدل أبد الدهر! لكن الظلم والأنانية من جانب .. وأختلاف القدرات من مر جانب آخر يجعل الأمور تعود إلي نقطة الصفر من جديد لتندلع ثورة أخري! ومنذ زمن بعيد يقول علماء الاقتصاد .. إنك لو وزعت ثروات العالم بالتساوي علي جميع البشر .. فسوف تعود الأمور إلي ما كانت عليه قبل توزيعها بعد بضع سنوات تعد علي أصابع اليد الواحدة! الإحساس بانعدام المساواة سيظل ملازماً للبشر أبد الدهر .. حتي لو كان هذا الإحساس غير حقيقي أو غير دقيق .. وسوف يظل الإنسان يبحث عن العدالة ما دام يدب علي ظهر هذا الكوكب! ہہ أفكار مضغوطة: في الأرض ما يكفي حاجات الناس.. ولكن ليس فيها ما يكفي أطماعهم! " د. مصطفي محمود "