هل ينقلب الثوريون علي الثورة؟!.. سؤال الساعة بعد انتخابات نزيهة وشفافة. يستحق القائمون عليها أن نرفع لهم القبعة وأن نرفع رءوسنا عالية بأننا شعب نجح في الاختبار وأنه يستحق الحرية والديمقراطية لأنه خرج ليشارك في أول انتخابات رئاسية. بل وأثبت الشعب المصري أنه صانع التغيير سواء أمس أو اليوم أو غداً. لأن 50% كنسبة تصويت هي نسبة محترمة عالمياً؟! أما السؤال الذي بدأت به وهو: هل ينقلب الثوار علي الثورة فيرجع إلي أن القراءة المتأنية للتصويت في الانتخابات انقسمت حسب القوي الموجودة علي الأرض؟!.. وفي رأيي أنها انقسمت كالتالي.. الإخوان المسلمون لم ينقسموا وذهبت أصواتهم إلي مرشحهم د.محمد مرسي.. أما شباب الإخوان فذهبوا إلي د.عبدالمنعم أبوالفتوح. الذي حصل علي نسبة لا بأس بها من بعض التيارات الثورية أيضاً بالإضافة إلي مؤيديه من السلفيين. الجزء الأكبر من القوي والتيارات الثورية والمثقفين والفنانين والطبقة الوسطي ذهبت جميعها إلي حمدين صباحي الحصان الأسود لتلك الانتخابات وكاد حمدين أن يفعلها ويدخل دائرة الإعادة ووقتها كنا سنهنئ أنفسنا لأن إعادة حمدين مع أي مرشح إسلامي كانت ستعني الفوز لحمدين. بعد فقدان ثقة غالبية الناخبين في التيارات الإسلامية. الكتلة التصويتية الثالثة ظهرت بشكل واضح في مؤيدي أحمد شفيق. فهؤلاء هم أعضاء وأنصار الحزب الوطني المنحل. والأغلبية الصامتة التي تميل دائماً إلي إعادة هيبة الدولة والأمن. واحتياج البلاد إلي شخصية قوية يرونها من وجهة نظرهم في مرشحهم وجزء ضئيل من تلك الكتلة أعطوا أصواتهم لعمرو موسي باعتباره ابن النظام القديم. إذن المشهد يزداد تعقيداً وإذا أراد الليبراليون والقوي الثورية وشباب الإخوان "جزءاً من الثورة" الابتعاد بمصر عن فكرة الدولة الدينية. والتأكيد علي مدنيتها. وعلي ثوابت مصر التاريخية من تنوع ديني وسياسي وفكري. فلابد لكل تلك القوي أن تجتمع علي مرشح غير ديني. وهو في المشهد الأخير الفريق أحمد شفيق الذي حصل علي الترتيب الثاني.. فشفيق إذا أراد الفوز عليه كسب أنصار حمدين وموسي وأبوالفتوح. وهي نسبة تصل إلي 49% من الأصوات. وشفيق نفسه حصل علي 24% وفي حالة عدم فوزه بتلك النسب يصبح من المستحيل علي شفيق دخول القصر الجمهوري إلا بانقلاب الثوار علي أنفسهم ومنح الأصوات لشفيق ذي الخلفية العسكرية. والذي سبق أن وصف الثورة بأنها ليست كذلك!! خلاصة القول.. أعتقد أن المشهد يزداد غموضاً ليس بسبب سوء إدارة العملية الانتخابية أو تدخل أي جهة في شفافية ونزاهة العملية. لكن لأن تلك الانتخابات بنتيجتها الحالية أعادت مصر إلي عام 1952 عندما وقفت قوتان علي الساحة.. الأولي عسكرية بقيادة مجلس قيادة الثورة وضباطه. والثانية بقيادة جماعة الإخوان المسلمين. وانتهت كما يعلم الجميع بغياب رسمي لجماعة الإخوان عن الساحة السياسية. حتي عادوا في اليوم الثالث لجمعة الغضب في أحداث ثورة يناير. وهنا تختلف الحسابات وتبدأ المؤشرات الحقيقية للقوي الفاعلة علي الأرض. لكن كل ذلك مرهون بإرادة الشعب. فهو صاحب القرار.. إذا كان يريدها دينية أم مدنية علي خلفية عسكرية. مثلما عشنا منذ 52 وحتي الآن.