عقب هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولي.. وقيام كمال أتاتورك بالثورة التركية.. تقرر إلغاء نظام الخلافة الإسلامية وترتب علي ذلك بداية انفصال الولايات التي كانت تحت سلطانها وهي مصر وسوريا ولبنان والعراق والحجاز والسودان.. وأخذ زعماء المسلمين في الهند ومصر والحجاز يتطلعون إلي أن يرثوا نظام الخلافة.. وكان الملك فؤاد أول المتطلعين لأن يكون خليفة المسلمين.. وأوصي إلي رجال الأزهر بدراسة كيفية عودة الخلافة تحت زعامته والدعوة له. كان هذا في عام 1925 تقريبا.. ولكن ظهرت صعوبات في هذه الفترة إذ كان الملك عبدالعزيز آل سعود قد استولي علي أرض الحجاز ولم يكن مؤيداً لأن يرث الملك فؤاد نفوذ العثمانيين علي سائر المسلمين في الوقت نفسه وقع خلاف بين يحيي باشا إبراهيم رئيس الوزراء بالنيابة في ذلك الوقت وعبدالعزيز باشا فهمي حول كتاب "الإسلام وأصول الحكم" وأدي إلي استقالة الوزارة كلها. والحكاية أنه في عام 1925 أصدر الشيخ علي عبدالرازق وكان وقتها فقيهاً إسلامياً وقاضياً شرعياً يحسب له ألف حساب أصدر كتاب الإسلام وأصول الحكم وعرض المؤلف لمفهوم الخلافة شرعاً واعتبر أن الخليفة مقيداً في سلطانه بحكم الشرع لا يتخطاها وأنه إذا أساء التصرف بأي صورة من الصور انعزل عن الخلافة وذهب إلي أن مبدأ فصل الدين عن الدولة يتطابق مع تعاليم القرآن والسنة وأن الخلافة ليست أصلاً من أصول الحكم في الإسلام وترتب علي صدورالكتاب.. أن ثار ثائرة القصر كما ذكر الدكتور سامي أبوالنور في مؤلفه مذكراتي لإسماعيل صدقي باشا واعتبر إصدار هذا الكتاب بمثابة الدعوة لعدم تبني فكرة الخلافة.. وأوعزت الحكومة إلي هيئة كبار العلمار بمحاكمة المؤلف بوصفه من العلماء وأذعنت الهيئة لتعليمات الحكومة وأخرجت الشيخ من زمرتها وطلب يحيي باشا إبراهيم رئيس الوزراء بالنيابة من عبدالعزيز فهمي وزير الحقانية "العدل" تنفيذ الحكم لكنه أحال الأمر إلي أقسام القضايا مما آثار حفيظة القصر وطلب رئيس الوزراء منه تقديم استقالته لكنه رفض.. وتمت اقالته وتلا ذلك استقالة بعض الوزراء.. وبعدها استقالت الوزارة كلها. وعندما تولي الملك فاروق العرش كانت جماعة الإخوان المسلمين قد قوي عودها وبدأت تزين للملك فكرة الخلافة مرة ثانية وقال حسن البنا كما ذكرت الدكتورة هدي شامل أباظة في كتاب النقراشي "نحن سلفيون من أتباع الشيخ رشيد رضا الذي وضع كتاب" الخلافة والإمامة العظمي دافع فيه عن فكرة الخلافة وكذلك كان الإخوان من أشد أنصار فكرة الخلافة بل هي كانت فكرة محورية في دعوتهم علي الرغم من أنهم لم يحددوا ماهيتها وكيفيتها.. فالدين لديهم "جنسية" كما ورد في رسالة "بين الأمس واليوم" وحدود الوطن في نظرهم هو "الوطن الإسلامي". وقد لجأ بالفعل الشيخ حسن البنا إلي علي ماهر باشا رئيس ديوان الملك في هذه الفترة لكي يتبني فكرة إحياء الخلافة الإسلامية وأن يكون فاروق خليفة المسلمين.. ولم تستمر هذه الدعوة طويلاً بل انطفأت بسرعة. وهذه الأيام.. تكررت دعوة الخلافة من خلال ما عرف باسم حزب التحرير كما ذكر تقرير كتبه الزميل عاطف النمر في صحيفة الأخبار.. وهذا الحزب الذي يتعامل مع الدولة المصرية علي أنها ولاية من ولايات دولة الخلافة التي يسعي لتحقيقها في أكثر من دولة عربية وأجنبية. وتشير مطبوعات هذا الحزب إلي أن هذا الحزب ولد في الأردن عام 1953 علي يد الشيخ الأزهري تقي الدين النبهاني وبدأ ينشر فروعاً له في أنحاء الدول العربية ولكن مصر لم تمنحه الترخيص باعتباره حزباً دينياً يقصد الدولة المدنية ويسعي لتحقيق دولة الخلافة الإسلامية الدينية ورغم ذلك ظهر في مظاهرات المليونيات شباب من هذا الحزب يرفعون رايات سوداء تحمل شعار دولة الخلافة ويقومون بتوزيع مطبوعات ومنشورات تؤكد أن القضية المصرية للمسلمين في العالم أصبحت تنحصر في إعادة الحكم عن طريق إقامة الخلافة وتنصيب خليفة للمسلمين.. رغم أن الكل يؤكد مبدأ فصل الدين عن الدولة وهذا سر الرايات السوداء التي ظهرت وأصبحت تظهر في المظاهرات المليونية.. في مصر.. والكل محتار في فهمها وفي أهدافها.