تأملت وجهي في المرآة وأخذتني نوبة من الضحك حين تذكرت أشهر جملة في السينما المصرية قالها رياض القصبجي "الشاويش عطية" في فيلم "إسماعيل ياسين في الاسطول": "هو بعينه بغباوته وشكله العكر". وذلك بمجرد أن انتهيت من قراءة أول ترجمة للعربية عن الأصل الأجنبي لكتاب كراوتشلي بعنوان "التنمية الاقتصادية لمصر الحديثة" الذي كتبه عام 1938 وكان وقتها يشغل وظيفة مدرس التاريخ الاقتصادي في كلية التجارة بالجامعة المصرية - جامعة القاهرة حالياً - بغرض تدريسه للطلاب وقام بترجمته أ. د. محمد مدحت مصطفي أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة المنوفية. أمضيت مع هذا الكتاب الذي يماثل في أهميته أهمية كتاب "وصف مصر" رحلة ممتعة. غزيرة بالمعلومات التي جسدت أمام عيني صورة مؤلمة لذلك المواطن المصري الغلبان علي أمره مع حكامه علي مدي التاريخ. لدرجة تكاد تؤكد أنه لم ير يوماً حلواً ولم يذق طعم الراحة أبداً. بما ينبيء بأنه لن يهنأ كذلك في العهد القادم مع سين أو عين حين يفوز بالرئاسة. تبدأ رحلة الكتاب من محطة المماليك الذين انكسرت شوكتهم علي يد القوات الفرنسية ثم محطة محمد علي 1805 الذي عشق مصر فنهض بها كما لم ينهض بها حاكم آخر فازدهرت مصر زراعياً وصناعياً. لكنه مع هذا أذاق أهلها المر وجعلهم حفاة عراة لأنه حصد خير ما بناه في كرشه وحده. وهي آفة كل حكام مصر للأسف. يضعون في كروشهم وحدهم ما تجود به مصر من خيرات وكم جادت تلك الأرض. لكن خيرات ظلت لغير أهلها. ثم تأتي محطة الخديوي عباس الله يسامحه الذي نسف كل ما بناه أبوه محمد علي وأغرق مصر في الديون والقروض الأجنبية ثم محطة الخديوي سعيد الذي كان مثقفاً متفتحاً حاول أن يعيد التنمية لمصر رغم تلك التركة التي ورثها من الديون. ثم محطة الخديوي إسماعيل الذي أحب مصر ايضا بالوراثة عن أبيه إبراهيم أكبر أبناء محمد علي الذي حكم مصر وتوفي في عهد أبيه. ثم كيف استطاعت مصر أن تسدد تلك الديون رغم تراكمها في عهد إسماعيل وتجتاز هذه الأزمة وإن كان علي حساب شقاء المواطن المصري الغلبان. تستمر الرحلة ويستمر العذاب وتستمر المعاناة وسوف تستمر. وما يدور الآن من ألاعيب في المشهد السياسي ما هو إلا حلقة في ذلك المسلسل الذي يبدو فيه المصري كالقصعة التي يتكالب عليها آكلوها. هو بعينه بغباوته ووشه العكر. فلا استقالت حكومة الجنزوري رغم فشلها الذريع في المهمتين الأساسيتين اللتين جاءت من أجلهما وهما استقرار الأمن والنهوض اقتصادياً بالبلاد. ولا أجاز المجلس العسكري في إعلانه الدستوري لبرلمان الإخوان أن يسحب الثقة من الحكومة. أهي أيام وبتعدي. وحايوحشنا والله أبوسماعين وبوستراته وسليمان ومخابراته والشاطر ومؤتمراته ومرتضي وخناقاته ونور وتزويراته ولسه مشرفنا شفيق وبلوفراته.