اخترع اللواء مهندس صلاح الدين المعداوي محافظ الدقهلية فرنا منزليا يعمل بالوقود الحيوي المصنوع من قش الأرز المضغوط.. ونجح في تصنيع أول وحدة منه.. وقام بتجربة هذا الفرن في حضور نخبة من السياسيين والإعلاميين والشعبيين والتنفيذيين بالمحافظة.. وجميعهم أثني علي الاختراع وانبهر به.. خصوصا عندما تم طهي بعض أنواع من الأطعمة المختلفة تكفي 15 شخصا خلال ساعة واحدة.. وقال المحافظ إنه عرض الفرن في اجتماع مجلس المحافظين برئاسة د. كمال الجنزوري. وسوف يساعد اختراع المحافظ إذا ماتم تصنيعه وتعميمه علي حل أزمة البوتاجاز.. وخلق فرص عمل في تصنيع الوقود الحيوي ¢ البيوجاز ¢ من تدوير المخلفات الزراعية مثل قش الأرز وعيدان الذرة وحطب القطن وأفرع الشجر بدلا من حرقها وتلويث البيئة بالسحابة السوداء.. فضلا عن أن تكلفة تشغيل الفرن الجديد بسيطة واقتصادية وتصميمه آمن بنسبة 100 % والأدخنة المتصاعدة منه صديقة للبيئة.. والمواد المتخلفة عن احتراق الوقود قليلة للغاية. وعلي هذا النحو فإن الفرن الجديد النظيف سوف يكون بديلا للفرن البلدي القديم.. وسوف يكون مناسبا بشكل أكثر في الريف والمزارع والمصانع والمصايف حيث المساحات الواسعة.. وحيث يمكن تشغيل هذه الأفران فوق أسطح المنازل والشاليهات أو في الحدائق. ويستحق محافظ الدقهلية كل الشكر علي هذا الإختراع الذي انشغل به لصالح المواطن والوطن والبيئة والحالة الإقتصادية المتأزمة.. لكن المشكلة التي ستصدمه كما صدمت غيره أن المواطن المصري ليست لديه أية رغبة في التجربة والتغيير وقبول الجديد.. ويستسهل ماهو مألوف عنده.. ومن ثم فإن إقباله علي فرن البيوجاز والإعتماد عليه محل شك كبير. لقد عرفت مصر تكنولوجيا الوقود الحيوي ¢ البيوجاز ¢ منذ ثلاثين عاما تقريبا.. ونقلتها عن الهند وبعض دول شرق آسيا باعتبارها تكنولوجيا الفقراء رخيصة الثمن وتأتي من البيئة المحلية.. وتم تصميم وحدات في بعض القري لإجراء الأبحاث اللازمة لطرق ومجالات استخدامها.. لكن التجارب لم تحقق نجاحا يذكر.. ولم يقبل المزارع المصري علي مجرد التفكير في التجربة.. ربما لأنها لم تكن يسيرة بالقدر الكافي.. وربما لأنها قدمت له علي أنها خاصة بالفقراء والطبقة الدنيا ونحن شعب حساس بطبيعته لهذه المسألة والفقير عندنا يتباهي بأحدث موبايل في العالم.. وربما لأن جاذبية العرض لم تكن كافية.. وربما لأن البديل متاح دون عناء.. أقصد أنبوبة البوتاجاز.. وقد صارت القرية الآن مستهلكة أكثر من المدينة بعد أن كانت منتجة.. تزرع وتخبز وتنتج الألبان بما يكفيها ويكفي المدن المجاورة لها. وفي لقاء مع الدكتور سمير الشيمي رئيس وحدة البيوجاز في مركز البحوث الزراعية سألته عن سبب تراجع الإهتمام بتكنولوجيا لطاقة الحيوية وعدم إقبال المصريين عليها وبالذات في الريف الذي تناسبه تماما هذه التكنولوجيا.. فقال إن السبب الرئيسي هو رخص سعر الطاقة الكهربائية والبوتاجاز والتزام الدولة بدعم هذا السعر بمبالغ طائلة لايشجع المواطن علي النظر لأي بديل آخر.. حتي لو كان هذا البديل أرخص وأنظف وأقل خطرا علي البيئة .. ويوفر مبالغ مالية هائلة لميزانية الدولة. لقد اعتدنا علي أن الدولة هي المسئولة عن كل شئ في حياتنا.. والدولة نفسها شجعتنا علي ذلك حتي تقتل فينا الإبداع والرغبة في التجربة ولا تكون أمامنا فرصة لنري إلا ماتريد لنا أن نراه ومن الزاوية التي تريد لنا أن نري منها.. فهي تدعم أنبوبة البوتاجاز بملايين الملايين من الجنيهات لكنها تترك المستشفيات بلا معدات ولا أدوية ليموت الناس فيها من السرطان وفيروسات الكبد والفشل الكلوي.. وتترك المدارس بلا قدرة علي التعليم الحقيقي لتخرج أجيالا من المتعلمين الجهلة.. ونحن نعرف ذلك ونسكت لأن الدولة تمن علينا بدعم الطاقة ودعم الرغيف.. وكان بإمكاننا أن نتجه إلي بدائل الطاقة وإلي أن تنتج القرية طعامها.. وتصنع خبزها بوسائل حديثة ونظيفة وموفرة فتكون حياتها أكثر تميزا ورخاء.. وليس التميز والرخاء أن تكون حياتها صورة من المدينة. في ضواحي العاصمة الألمانية برلين وفي المدن الصغري والريف الألماني شاهدنا في بعض المنازل الأفران التي تعمل بقطع الخشب والفحم حتي الآن لصناعة الخبز والفطائر بيد سيدة البيت بالضبط مثلما كانت تعمل أمهاتنا في الريف المصري زمان.. ويعتبرونه هناك أغلي وأنظف أنواع الخبز ويخزنونه للأسبوع ويتهادون به. لذلك كله.. أرجو أن يبذل المحافظ جهدا أكبر في إقناع المواطنين باختراعه الجديد.. وتوعيتهم بأنه سيساعدهم علي التحرر من ربقة الحكومة وأنبوبة الحكومة ورغيف الحكومة ليأكلوا خبزا يليق بآدميتهم. ويارب تنجح التجربة هذه المرة.