نحن الآن أمام خيارين كليهما صعب. بل إن الوصول إلي أحدهما ينبئ بكوارث لا يحمد عقباها. وقد حذرت في هذا المكان قبل إجراء انتخابات مجلس الشعب من أننا سنصل في يوم من الأيام لهذه الديلما. ليصبح علينا أن نختار بين الموت بالسم أو الموت بالرصاص. وكلاهما موت! الوضع باختصار أننا أمام برلمان مهدد بعدم شرعيته. فنحن في انتظار صدور حكم من الدستورية العليا وهناك احتمالات بأن يقضي إما ببطلان الانتخابات كلها. أو بطلان عضوية ثلث أعضاء المجلس علي أقل تقدير. وتكمن الإشكالية في المحكمة الإدارية العليا بإحالة بعض نصوص قانون مجلس الشعب إلي الدستورية العليا للفصل في دستورية هذه النصوص. إذ تبين - وفقا لحيثيات القرار - عدم دستورية الفقرة الأولي من المادة الثالثة والفقرة الأولي من المادة السادسة والمادة التاسعة مكرر "أ" من قانون مجلس الشعب. لأنها سمحت للأحزاب السياسية بمنافسة المرشحين المستقلين علي نسبة ثلث مقاعد المجلس. وهو ما يترتب عليه مزاحمة الحزبيين للمستقلين في مقاعدهم. لذلك فقد أخلت هذه القوانين بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص. ومنحت الأحزاب أولوية وأفضلية بأن جعلت انتخاب ثلثي الأعضاء بنظام القوائم الحزبية. والثلث الآخر بنظام الفردي. رغم أن الشرعية الدستورية تستوجب أن تكون القسمة متساوية. والحق يقال إن القانون في صياغته الأولي حدد 50 في المائة للقوائم و50 في المائة للفردي. إلا أن المجلس العسكري اضطر لتعديل هذه الصياغة تحت ضغط القوي السياسية. ليستقر الأمر علي نسبة الثلثين والثلث وجاءت الطامة الكبري بالسماح للحزبيين بالنزول علي المقاعد الفردية. إذا إما أن تحكم الدستورية العليا ببطلان الانتخابات. وهنا ستكون الكارثة كبيرة حيث أننا سنفقد الشرعية الوحيدة الموجودة حاليا في البلاد. وسنخسر الإنجاز الحقيقي الوحيد الذي تحقق بعد الثورة حتي الآن. وإما أن تظل الأمور معلقة هكذا. ويستمر البرلمان في عمله ويختار لجنة لتأسيس الدستور لنصل في النهاية إلي دستور باطل. لأن ما بني علي باطل فهو باطل. وهنا المصيبة تكون أكبر. الشئ الوحيد الذي يهون المصيبة أن يظل برلمان الثورة.. كلام وبس. كما نشرت المساء في عددها الجمعة الماضي. فعندئذ لن تكون هناك تشريعات من مجلس مشكوك في أساسه!