إذا كان بمقدور تمثال الأوسكار أن ينطق فما الذي يمكن أن يرويه من حكايات في هذه الليلة. الحكايات بالمئات قوية ومسلية ومثيرة وكاشفة عن كواليس عالم الأضواء. ولكن التمثال أخرس بنظرته الجامدة وسيفه ومع ذلك فإنه الأكثر شهرة وأكثر لمعاناً بالقشرة المذهبة الرفيعة. والأكثر إثارة للحسد والسرور وسط صناعة الترفيه وبزنس السينما.. الليلة تعلن جوائز الأوسكار الرابعة والثمانون التي تنظمها الأكاديمية الأمريكية للعلوم وفنون الصور المتحركة منذ عام "1927" وهو نفس عمر الأكاديمية.. ورغم كونها الأكثر شهرة والأكثر عالمية فإن الأوسكار جائزة محلية نظمت من أجل النهوض بالفيلم الأمريكي وكإطار عام لاحتضان وتشجيع جميع الفروع الفنية المختلفة والحرف المرتبطة بالصناعة. عدد أعضاء الأكاديمية الذين صوتوا لهذه الجوائز يصل إلي ستة آلاف بهما أكثر أو أقل قليلاً ويضم الممثلين والمخرجين والمنتجين والمونتيرين وكتاب السيناريو ومؤلفي الموسيقي ومهندسي الصوت وفناني المؤثرات الخاصة الخ .. الخ. الليلة الأحد سوف يشاهد جمهور العالم البث المباشر لحفل توزيع الجوائز. ولن يتذوق المرشحون النوم الذين لم يفوزوا ولا أولئك الذين سيعودون إلي منازلهم حاملين التمثال.. ولأول مرة هذا العالم يتم ترشيح تسعة أفلام لجائزة أحسن فيلم وهي: "هوجو" و"الفنان" و"الأحفاد" و"عالي الصوت جدا.. قريب بدرجة لا تصدق وفيلم المساعدة" و"منتصف الليل في باريس". و"شجرة الحياة". و"حصان الحرب" و"موني بول" Money ball. الأفلام التسعة تمثل في مجموعها عرضاً لأرقي ما وصل إليه مستوي للإبداع البصري والفكري. وأكثر تجليات الخيال الإنساني جمالاً ورونقاً. هذه الأفلام نالت بشكل وآخر جوائز عالمية في المهرجانات الدولية الكبري مثل برلين وكان. وفينسيا مثلما نالت ترشيحات أو جوائز من أكاديميات للفنون السينما والتليفزيون مثل الأكاديمية البريطانية. ومن اتحادات النقاد مثل "الكرة الذهبية" واتحادات الممثلين والمخرجين وحتي رابطة مهندسي الصوت والمكساج الأمريكية. فيلم مثل "الفنان" أثار ضجة واسعة بعد عرضه في مهرجان "كان" وجعل مخرجه الذي لم يكن يعرفه كثيرون خارج بلاده فرنسا حديث الساعة بين النقاد الذين حضروا المهرجان فهو مؤلف ومخرج "مشيل هازانفيوس" عمره 44 سنة وقد بدأ يلفت الأنظار بقوة وهو المرشح الأقوي حظاً لنيل الجائزة. الممثلة فيولا دافيس بطلة فيلم "عالي الصوت جداً.. قريب بدرجة لا تصدق" المرشحة لجائزة الأوسكار كأحسن ممثلة تقول. إنه منذ ترشحها في 16 فبراير الماضي وهي غير قادرة علي أن تمارس حياتها علي النحو الذي تحب. ولكن بدءاً من الغد. 27 فبراير سواء فازت بالجائزة أو لم تفز فسوف تستعيد حياتها الطبيعية. لأنها ممثلة علي أي حال وبالضرورة لابد أن تلتفت إلي فنها "المرأة الحديدية". دافيس تنافس النجمة ميريل ستريب أستاذة الأداء وأقوي ممثلة أمريكية علي قيد الحياة. ومن الصعب أن نتصور فوز الأولي التي لم يسبق لها الفوز بالتمثال بينما فازت ميريل بالجائزة مرتين ودورها في فيلم "المرأة الحديدية" المرشحة عنه للأوسكار قوي جداً وقد شهد له النقاد وحظيت بجائزة أحسن ممثلة من هيئات سينمائية أخري عام ..2011 أن تنجح ممثلة في تجسيد واحدة من أقوي الشخصيات النسائية في تاريخ بريطانيا السياسي ولا تفوز بالأوسكار مسألة ليست واردة إلا إذا... ولو فازت فيولا دافيس سوف تدخل كتاب تاريخ السينما كثاني ممثلة سمراء تفوز بالأوسكار.. الأولي كانت هال بيري عام 2001 في فيلم "حلبة الوحش" Honsteis Ball. هناك متنافسة ثالثة علي جائزة التمثيل هي مشيل ويليامز بطلة فيلم "اسبوعي مع مارلين" وهي ممثلة موهوبة فعلاً. صغيرة سناً. وجذابة جداً ولعبت دور شخصية واقعية كان لها تأثير في العلاقة المتوترة بين مارلين مونرو وبين الممثل الكبير لورانس اوليفيه اثناء تصوير فيلم "الأمير" و"فتاة الاستعراض" وتقوم "ويليامز" بدور موظفة لدي السير لورانس تقوم بتسجيل العلاقة التفاعلية المأزومة بين الممثلين الكبيرين. ولكن لم تكن الحملة الدعائية للممثلة بنفس قوة وشراسة الحملة التي حولتها النجمة ميريل ستريب والممثلة فيولا دافيس الأمر الذي جعل حضور النجمة مشيل الإعلامي أقل صخباً وتأثيراً. العجوز السويدي يفوز وفي الأدوار الثانوية يتنبأ المتابعون بفوز الممثل السويدي العجوز ماكس فان سيدو "82 سنة" ويكون بذلك قد توج مشوار نصف قرن من التمثيل بأول جائزة ينالها من الأكاديمية التي لم ترشحه لجوائز "الأوسكار" سوي مرة واحدة. وفي مسابقة السيناريو من المحتمل أن يفوز اليوم الممثل الأمريكي وودي الين عن فيلمه "منتصف الليل في باريس" وهو أحد أجمل أفلام الفانتازيا التي استحضرت شخصية المدينة ومعالمها ليس فقط المعمارية وإنما أساساً روحها الثقافية التنويرية ورموزها من الشخصيات الأدبية والفنية وكذلك مفاهيمها العامرة بالمبدعين.. سبق أن رشح وودي الين لجائزة السيناريو 15 مرة. ولو فاز هذه الليلة سيكون بذلك ضرب رقماً قياسياً في تاريخ هذه الجائزة التي لم يفز بها مؤلف آخر ثلاث مرات في قسم جائزة السيناريو. والكارتون أيضاً يتنافس الليلة علي الفوز بجائزة الأوسكار خمسة أفلام رسوماً متحركة رشحتها الأكاديمية وهي فيلم "رانجو" و"بوسي في البوت" و"كنج فو باندا" و"شيكو ورتيا" و"قطة في باريس" ومن المتوقع وحسب الكثير من المؤ شرات أن يفوز الفيلم الذي حقق أعلي الإيرادات. وهناك أيضاً خمسة أفلام متنافسة علي جائزة أفضل فيلم أجنبي. ومنها الفيلم الإيراني "انفصال" والفيلم الإسرائيلي "الهامش" والفيلم البولندي "في الظلام" وفيلم من كندا بعنوان "السيد لازهار" وفيلم من بلجيكا بعنوان "بولهيد". الفيلم البولندي "في الظلام" يتناول موضوع "الهولوكست" الذي صار يمثل تياراً في السينما الغربية.. وكثيرة جداً الأفلام التي تناولت المعسكرات النارية لليهود ويعتبره الصهاينة موضوعاً مقدساً ولذا فقد يكون من المتوقع عدم تجاهله.. ولكن هناك فيلماً إسرائيلياً بعنوان "فوتنوف" Footnofe بمعني "الهامش" وفيلم إيراني حائز علي جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين كأفضل فيلم وكذلك حاز أبطاله ليلي حاتمي وبيمان معادي كأفضل ممثلة وممثل والفيلم للمخرج أصغر فارهادي "من مواليد 1972" وهذا هو الفيلم الإيراني الثاني الذي يرشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي وسوف يكون الفيلم الإيراني الأول الذي يفوز بجائزة الأوسكار كأفضل سيناريو. جائزة أفضل مدير فني في هذه الجائزة غالباً ما تنحاز الأكاديمية للأفلام التي تجري حوادثها في فترة تاريخية معينة أو في عالم خيالي بالكامل والأفلام المرشحة تمتلك هذه الشروط. وبالذات فيلم "هوجو" الذي يدور في بدايات القرن العشرين وفيلم "الفنان" الذي يدور ابان السينما الصامتة في العشرينيات من نفس القرن وكذلك "هاري بوتر" يبدع عالماً من الفانتازيا قائم بذاته. وفيلم "حصان الحرب" و"منتصف الليل في باريس". الاحتمال الأكبر أن يفوز بهذه الجائزة فيلم "هوجو" الذي قام بعمل المدير الفني روجان قدما ابداعها الفني من ثمانية من أفلام مارتن سكورسيزي وفازا بالأوسكار عن اثنين منها وهما "الطيار" 2004 وفيلم سويت تود "2007". كل هذا القوم من المبدعين الأمريكيين سوف يحتشدون الليلة ومعهم أعضاء الأكاديمية ومنهم كبار النجوم في هوليود في استعراض مبهر للأزياء والمجوهرات الممهورة بأسماء كبار المصممين العالميين. ومن اخراج فني يعكس امكانيات عصر التقنيات الرقمية وتفوق لغة الصورة وامكانية آلة التصوير. لم يحدث في تاريخ جوائز الأوسكار أن جمع فيلم واحد من الأفلام المرشحة بجائزتي أحسن فيلم وأحسن تصوير سوي 27 مرة طوال 83 سنة وحدث ذلك مرتين فقط في ال 13 سنة الأخيرة ومن المحتمل أن يجمع في هذه الليلة فيلم "الفنان" بهاتين الجائزتين. والمصور في هذه الحالة هو جولوم شيفمان الذي قدم تجربة سينمائية فريدة بالأبيض والأسود رغم عصر الألوان الفاتنة والرائعة التي تعيشه السينما حالياً. فيلم "شجرة الحياة" للمخرج تيرنس منالك يضم أيضاً مشاهد إبداعية مفرطة في الجمال بفضل تقدم عدسات التصوير ومقدرة مدير التصوير ايمانويل ليوبزكي واختياره للأسلوب الفني والتقني المناسب لمشاهد شديدة التميز للكون وعظمة الخلق حتي أن بعض الذين اعجبوا بالفيلم ارجعوا هذا الاعجاب لهذه المشاهد تحديداً. وبمناسبة الملابس فإن كثيرين يعتقدون أن فيلم "هوجو" للمخرج مارتن سكورسيز جدير بهذه الجائزة وأن مصممة الأزياء "ساندي بويل" قدمت في هذا الفيلم عملاً مدهشاً ومبتكراً والفيلم نفسه قد ينتزع أيضاً جائزة أحسن إدارة فنية "Art diyection) لكن هذه الجائزة تولي طوال تاريخها أهمية كبيرة لعنصر الأناقة و"الشياكة" المظهرية وبالتالي يتوقع أن يكون الانحياز لفيلم "الفنان" المبهر الذي تقع أحداثه إبان العشرينيات حتي لو كان الفيلم بالأبيض والأسود. ويعتبر عنصر المكياج من العناصر الخلاقة في مجال الفيلم والجائزة عمرها 30 عاماً فقط وطوال هذه السنوات كانت تذهب تلقائياً للفيلم الفائز بجائزة أفضل فيلم. والأرجح أن يحصل عليها فيلم "المرأة الحديدية" التي تظهر فيه الممثلة مريل ستريب في مرحلة عمرية أكبر من عمرها الحقيقي بعشرين سنة. والمكياج في هذه الحالة يعتبر عنصراً فاصلاً. وبالذات مكياج الشخصية المحورية وهي سيدة عجوز والفيلم سبق له الفوز بجائزة الأكاديمية البريطانية للسينما والتليفزيون "BAFTA) وهناك فيلمان آخران مرشحان لنفس الجائزة وهما "هاري بوتر" و"البرت نوبس" ولكن الأرجح فوز "المرأة الحديدية". بالنسبة لجائزة الموسيقي فإن الاحتمال أن يفوز "الفنان" لأن الموسيقي تعد الشيء الوحيد المسموع في فيلم صامت. والطريف أن جائزة الأغنية التي كتبت خصيصاً للفيلم تعد من أسهل الجوائز بالنسبة للأعضاء حيث التصويت لا يستدعي الذهاب لمشاهدة الفيلم وفي هذا القسم يوجد ترشيحان واحدة لأغنية "ريل في ريو" "Real in Rio) وأغنية "رجل أم عروسة مابيت". ومن العناصر التي أفردت لها جائزة أيضاً ولكن بعد فترة من تأسيس جوائز الأكاديمية جائزة المكساج "خلط الصورة" وهي جائزة لا يعرف كثيرون من أعضاء الأكاديمية كيفية التصويت عليها ومن ثم فإن الاختيار الأسهل أن يفوز الفيلم الفائز "بأحسن فيلم" بجائزة أحسن مكساج باعتبار أنه العمل الأكثر قبولاً بالنسبة للجمهور.. ومن الأفلام المرشحة لهذه الجائزة فيلم "هوجو" وفيلم "Money ball) و"حصان الحرب" وطوال 18 سنة هي عمر الجائزة التي قررتها نقابة العاملين في هذا العنصر وهم ما يطلق عليهم "Sound Hixers) يتوقع أن يفوز بها فيلم "هوجو" يعتبر عنصر المؤثرات الخاصة أكثر العناصر الإبداعية التي تأثرت كثيراً بانتاج الكمبيوتر ومقدرة التكنولوجيا علي تجسيد عوالم من الفانتازيا.