أعجبني كلام السفير نبيل فهمي سفيرنا السابق بواشنطن قال ان كل القرارات التي اتخذتها مصر "من دماغها" كانت صائبة وجعلت العالم في النهاية هو الذي يسعي إلينا ليسترضينا.. وضرب مثالين لذلك: الأول.. قرار الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس الذي أتي بالعدوان الثلاثي ثم رضخ العالم للأمر الواقع. والثاني.. قرار الزعيم الراحل أنور السادات بشن حرب أكتوبر والذي زلزل العالم من شرقه إلي غربه. وقال.. ان القرارين اتخذهما الزعيمان دون الرجوع لأحد.. لا الأمريكان ولا الروس.. ولذا كانا صائبين وتحملا وتحملنا معهما النتائج مهما كانت. أما قرار المعونة الأمريكية فقد كان قرارا أمريكيا خبيثا.. في ظاهره الرحمة وفي باطنه العذاب.. ولذا عانينا منه كثيرا.. ومازلنا. نص قرار المعونة الذي تضمنته معاهدة كامب ديفيد عام 1978 علي منح مصر 2.1 مليار دولار سنويا.. منها 1.3 مليار معونة عسكرية في شكل أسلحة ومعدات وأجهزة وقطع غيار والباقي معونة اقتصادية في صورة سلع. ونص أيضا علي منح اسرائيل 3 مليارات دولار سنويا "كاش"!!! وهذا أول فرق وضرر في قرار المعونة تتبعها فروق وأضرار أخري. كما نص القرار علي أن يجتمع الطرفان "مصر وأمريكا" كل 10 سنوات لمراجعة النتائج والاحتياجات ووضع مبالغ جديدة للمشروعات المستقبلية.. وبالفعل حدثت مراجعتان عامي 1988 و1998 وتم تخفيض حجم المعونة الاقتصادية طبقا للجدول الزمني الذي تضمنه القرار.. ولكن لم تحدث المراجعة الأخيرة عام 2008 حيث قام الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بخفضها بقرار فردي بسبب تدهور العلاقات بين مصر وأمريكا نتيجة الحرب علي العراق. وإذا كانت أمريكا قد خفضت حجم المعونة الاقتصادية.. فإنها أبقت علي المعونة العسكرية كما هي حتي في حالة التدهور الشديد للعلاقات. قرار المعونة ونصوص القانون الأمريكي رقم 480 الخاص بمعونة القمح يتحكمان سياسيا فينا ويضران مصر أبلغ ضرر. الأمريكان بموجب القرار والقانون يحددون لنا أنواع المحاصيل التي نزرعها وحجم المزروع مما تسبب في تدهور الزراعة بشكل صارخ وأحوال الفلاحين عامة وساهم في التوسع في الاستيراد حتي وصلنا إلي استيراد 60% من غذائنا.. فكيف إذن نملك قرارنا؟! وقرار المعونة يجعل الأمريكان يتحكمون في شكل وهيكلة الصناعات المصرية مما أثر سلبا علي صناعاتنا خاصة التحويلية بسيف الخصخصة. والغزل والنسيج بتدمير محصول القطن. والمواد الغذائية. والصناعات الخشبية والالكترونية والهندسية والكيماوية والسلع المعمرة.. وهي صناعات كثيفة العمالة كانت تساهم في تشغيل الآلاف. وقرار المعونة العسكرية يجعل الأمريكان يسيطرون علي مقدرات تسليح الجيش بما يضمن تفوق اسرائيل علينا وعلي كل الجيوش العربية لأن السلاح يأتي من مصانعهم هم وفي أيديهم قرار المنح ومفاتيح المخازن وبالتالي فإنهم يعلمون علي وجه اليقين والتحديد عدد الطائرات والدبابات والمدافع والعربات والأسلحة الخفيفة بل وعدد الطلقات أيضا.. كما انه يحقق لهم فوائد جمة في مقدمتها السماح لطائراتهم الحربية بالتحليق في الأجواء المصرية علي حريتهم والحصول علي تصاريح بشكل أوتوماتيكي سريع لمرور بوارجهم الحربية بقناة السويس في أي وقت شاءوا. أي ان المعونة الأمريكية بنوعيها والتي تبلغ 2% فقط من حجم الناتج المحلي لا تحقق لنا أي فائدة سوي في قيمتها المادية فقط وتفرض علينا قيودا خانقة.. تحقق في الظاهر مصالح أمريكا وفي الباطن مصالح أمريكا واسرائيل معا.. وتؤثر سلبا علي اقتصادنا وقرارنا. العقل يقول.. ان الغاء المعونة أفضل وأفيد لنا.. كيف؟ الغاؤها يخرجنا من التبعية لأمريكا ويجعل قرارنا من دماغنا وينهض بالبلد اقتصاديا وعسكريا.. حيث يمكننا أن نزرع القمح بوفرة دون رقيب أو حسيب بل والوصول به إلي الاكتفاء الذاتي ونفس الشيء بالنسبة للصناعات كلها. ويعدل ميزان التبادل التجاري.. والأهم عدم معرفتهم بمدي قوة وتسليح جيشنا مستقبلا والاستعانة بالتكنولوجيا الواردة من جنوب شرق آسيا كبديل للتكنولوجيا الأمريكية. نرفض الانبطاح.. أما المصالح المشتركة فأهلا وسهلا.