كل ما يحدث حولنا يجعل المجلس العسكري متعجلا في تسليم السلطة.. ليس في أول يوليو طبقا للجدول الزمني المعلن ولكن الآن.. فالحكم في مصر لم يعد مغنما وإنما حمل ثقيل.. والأعباء تنوء بها الجبال.. ومسئولية إصلاح الفساد الذي غطي كل شبر في بلادنا صارت ضربا من المستحيل.. فمن يرضي علي نفسه أن يستمر في هذا البحر المتلاطم؟! ومع ذلك هناك من يتكلم ويستنتج ويشك في أن المجلس العسكري لن يفي بتعهداته ولن يسلم السلطة الي الرئيس المنتخب في أول يوليو القادم.. الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر أشار بارتياب الي مسألة إقدام المجلس العسكري علي ترك السلطة اختياريا في الموعد المحدد.. والائتلافات الشبابية والثورية غير واثقة وتطالب المجلس العسكري بأن يسلم السلطة الآن.. والأحزاب السياسية مختلفة ومتناقضة.. ومجلس الشعب لم يعلن كلمة قاطعة في القضية.. وتصريحات المجلس الاستشاري متضاربة بشأن اجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وحتي الوفد البرلماني الفرنسي الذي وصل القاهرة الأحد الماضي صرح أعضاؤه في مؤتمر صحفي مساء أمس الأول بأنهم قد لمسوا الكثير من عدم الوضوح في آراء القوي السياسية والبرلمانية حول الجدول الزمني لانتخابات الرئاسة والدستور الجديد. وكلما قادتك الظروف لمتابعة المتحدثين في برامج التوك شو الليلية خرجت أكثر حيرة وتشتتا وتشككا.. لأنه لا أحد يثق في أحد.. وكل الآراء مردود عليها بعكسها. جاء الإعلان عن إصدار المجلس الأعلي للقوات المسلحة لقانون استقلال الأزهر وقانون انتخاب رئيس الجمهورية قبيل انعقاد الجلسة الأولي لمجلس الشعب لتعطي مزيداً من الشك في سلوك وهدف المجلس العسكري من ذلك وقد كان بإمكانه أن يكون أكثر وضوحا وشفافية وأكثر نزوعا الي تأكيد عدم رغبته في التشبث بالسلطة إذا هو أحال القانونين الي مجلس الشعب وأراح واستراح. بالفعل كانت هذه الخطوة سوف تحسب له لا عليه.. لكن يبدو ان مستشاري السوء مازالوا يلعبون بذيولهم لإحداث فتنة في البلد.. وزيادة التشكيك في نوايا المجلس العسكري. الحقيقة التي يجب ألا نغفل عنها أن دور المجلس العسكري في الحكم والسلطة قد انتهي فعليا.. وان كان مازال علي رأس النظام بمقتضي الإعلان الدستوري وبمقتضي الجدول الزمني الذي يحدد مراحل تسليم الحكم الي سلطة مدنية منتخبة. حتي لا ننسي فقد أعطي المجلس العسكري سلطات رئيس الجمهورية للدكتور كمال الجنزوري بنظام التسليم والتسلم حيث اعترف هو صراحة أنه أعطي واعترف د. الجنزوري انه حصل علي السلطات وأخذها.. فيما عدا ما يتعلق بالعلاقات الخارجية والأمن القومي والقضايا العسكرية. من ناحية أخري فقد سلم المشير طنطاوي السلطة التشريعية والرقابية كاملة الي مجلس الشعب في رسالة قرأها رئيس المجلس د. سعد الكتاتني في الجلسة الافتتاحية.. وبذلك صارت مسئولية التشريع كاملة في يد مجلس الشعب بعيدا عن المجلس العسكري.. بل ان الرقابة علي أداء الحكومة التي في يدها سلطات رئيس الجمهورية تقع علي عاتق مجلس الشعب منفردا.. فالحكومة بالكامل مسئولة أمام المجلس باعتبارها رأس السلطة التنفيذية.. وهو وحده الذي يمنحها الثقة.. أو يسحب الثقة منها لتسقط. ما بقي في يد المجلس العسكري الآن هو مهمة "إدارة شئون البلاد" وهي مهمة أخف حملا من مسئولية الحكم.. وما أفهمه من مصطلح إدارة شئون البلاد حاليا ان تكون رأس الدولة ورمزها أمام الخارج والداخل بعيدا عن شئون الحكم. ويستطيع المجلس العسكري أن يمارس هذا الدور بهدوء.. ولا يقحم نفسه في قضايا سياسية خلافية بالداخل.. وينأي عن ممارسة أي شكل من أشكال الحكم.. وفي المقابل يصدر البرلمان مرسوما يطلب فيه باسم الشعب الاستعانة ببعض وحدات من قوات الجيش للمساعدة في حفظ الأمن الداخلي حتي يقوي جهاز الشرطة ويستطيع القيام بدوره كاملا. لابد ان يكون واضحا للجميع أن هذا الدور الاستثنائي لوحدات الجيش وللمجلس العسكري سوف ينتهي بشكل قاطع وحاسم مع غروب شمس يوم 30 يونيه القادم.. حتي يتم انهاء حكم المجلس العسكري ويتحقق له الخروج المشرف.. ويتحقق لمصر الانتقال السلمي المنظم للسلطة مثلما يحدث في كل الدول المتحضرة.