يكاد المسرح التجاري أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.. هناك بعض "الجيوب" التي تطل. علي استحياء. من آن لأخر. لكنها لا تصمد كثيرا وتختفي سريعا ولا تكرر التجربة بعد أن انتهت مبررات وجود هذا النوع من المسرح. لقد أفسد المسرح التجاري أجيالا عديدة فنيا وأخلاقيا. ولعب دورا لا يستهان به في ترسيخ مفهوم غريب لدي المشاهدين عن المسرح مؤداه أن المسرح يعني الاضحاك لا أكثر. الاضحاك القائم علي الأفيهات والنكات الفجة. وساهم التليفزيون في تأكيد هذا المفهوم بإلحاحه علي عرض مثل هذه النوعية من الأعمال. كلامي لا ينسحب علي المسرح التجاري في إجماله وحتي كلمة "التجاري" لا تنسحب علي كل ما تقدمه فرق القطاع الخاص. نعم تسعي كل هذه الفرق الي تحقيق مكاسب مادية وهذا أمر طبيعي. لكن بعضها يسعي أو كان يسعي لتقديم فن راق ومحترم. هناك العديد من المسرحيات التي قدمتها "الفنانين المتحدين" مثلا حققت من خلالها اضافات واعية ومحترمة الي المسرح المصري. ولعل غياب مثل هذه النوعية يمثل خسارة كبيرة لمسرحنا ولا يجب ان يكون مصدر سعادة لمحبي المسرح. لكن هكذا سارت الأمور وفقدنا أوكدنا ضلعا مهما في المسرح مازال موجودا في معظم دول العالم. أو هو بمعني أدق الأكثر حضورا وتأثيرا في دول العالم المتقدمة. وان كان يعمل بآليات أخري لم يعرفها مسرحنا المصري الذي لم تتوفر له من الظروف مثلما توفرت في هذه الدول سواء اقتصادية أو فنية أو ثقافية بوجه عام تتيح له الاستمرار وتحقيق النجاح. وإذا كان المسرح التجاري في مصر قد ركز بشكل أساسي علي الكوميديا مع تفاوت مستويات ما قدمه علي مدي الخمسين عاما الأخيرة. فقد كان الأمل معقودا. بعد اندحار وانحدار هذا المسرح. علي مسرح الدولة ليدخل الي الحلبة منفردا وغير عابيء بحسابات المكسب والخسارة ليقدم لنا أعمالا كوميدية محترمة توازن بين المتعة الفكرية والروحية وترتقي بالجمهور وتصحح مفاهيمه عن الكوميديا.. فماذا قدم مسرح الدولة؟ ان نظرة سريعة علي ما يقدمه المسرح الكوميدي التابع للبيت الفني للمسرح من أعمال في الفترة الأخيرة يؤكد ان مفهوم الكوميديا لدي مسئولي هذا المسرح لم تتجاوز مفهوم الفرق الخاصة في أدني مستوياتها.. لم يقدم هذا المسرح. للأسف. شيئا عليه القيمة.. قدم "روايح" فيفي عبده. و"النمر" محمد نجم. و"يادنيا يا حرامي". و"مولد سيدي المرعب" وهي أعمال ضعيفة فنيا وفكريا ولا تليق بمسرح الدولة. حتي عندما نظم مسرح الدولة مهرجانا للضحك نظمه بشكل سريع وعشوائي. فجاء فجا وتافها ومثيرا للأسي. يحتاج الأمر الي نظرة من الفنان رياض الخولي رئيس البيت الفني للمسرح وقد جرب بنفسه كارثة المسرح الكوميدي. حتي يستعيد هذا الفن الراقي "الكوميديا" مكانته فهو فن محترم ومطلوب ولا يأتي تاليا للتراجيديا كما قد يظن البعض. بالتأكيد فان مدير المسرح الكوميدي الحالي الفنان محمد محمود لا يتحمل خطايا سابقيه. لكن حظه كده.. فلنساعده حتي يتجاوز هذه المحنة وهو قادر علي تجاوزها ولكن ليس بمفرده.