ذكرت صحف الأمس علي لسان البنتاجون أن وزير الدفاع الأمريكي أعرب في اتصال هاتفي مع المشير حسين طنطاوي عن قلق واشنطن من استهداف منظمات المجتمع المدني وأن المشير تعهد له بوقف مداهمة المقار والعمل علي استئناف نشاطها. وربما يكون ما جري بين الوزير الأمريكي والمشير علي غير ذلك.. ولكن لو صح هذا الذي نشر فان علينا أن نقول للمشير: عفوا لقد انتهي ذلك الزمن الذي يتوقف فيه الاجراء القانوني بقرار تنفيذي.. خصوصا أن الشعب يريد أن يعرف قصة التمويل الاجنبي ومنظمات المجتمع المدني.. والرأي العام في مصر شغوف بأن يقف علي حقيقة ما يجري علي أرضه بعد أن اتسعت دائرة الشك والاتهام وتعمقت الفتن. نحن نعرف أن للسياسة ضروراتها.. وللعلاقات مع أمريكا خصوصية معينة.. لكننا لا نريد للمشير ولا للمجلس العسكري ولا للحكومة ان يعرقلوا اجراءات قانونية تتم بأيدي القضاة من منطلق سيادة الدولة وسيادة الشعب علي أرضه.. وأي تصرف سيتخذ في هذا الاتجاه سيحسب عليهم جميعا. لقد طالب الشعب كثيرا من قبل باتخاذ هذه الخطوة حتي يضع حدا للأقاويل الكثيرة التي تتردد حول منظمات التمويل الاجنبي والدور الذي تلعبه في بلادنا.. والمهمة التي تؤديها.. وقد أطلق عليها "بوتيكات التمويل الاجنبي" وظلت مرفوضة من قطاعات عريضة من الشعب.. ولا يتحمس لها إلا أولئك الذين يستفيدون منها ويحققون ثروات طائلة من ورائها.. حجرة مستأجرة.. وفاكس.. واتصالات بعدة سفارات.. ومقال هنا ودراسة هناك.. تتحول الحجرة إلي مكتب.. والمكتب إلي منظمة أو مركز بحثي وحقوقي وتتحول المسألة إلي تجارة رابحة. نحن لا نتهم الجميع.. لكننا نقول ان ما يتم الآن ليس أكثر من اجراء قانوني مائة في المائة ليس للحكومة ولا للمجلس العسكري شأن به.. وهو مدعوم بموافقة شعبية والهدف منه يجب ألا يتجاوز مهمة معرفة الحقيقة كاملة. هناك منظمات ومراكز غير مرخصة وتعمل بعيدا عن القواعد واللوائح والقوانين المنظمة دون أية رقابة فكيف يحدث ذلك ومن يسمح به.. وكيف تكون الدولة دولة ولا تمارس سيادتها علي كيانات تتلقي أموالا من الخارج وتعمل علي ارضها؟!.. هل تقبل أمريكا بذلك.. وهل تقبل ألمانيا بأن يتم تمويل كيانات علي أرضها لتعمل في المجالات السياسية والحقوقية من وراء ظهر الدولة؟! بالتأكيد نحن لسنا ضد نشاط منظمات المجتمع المدني لكننا نريد أن نعرف طبيعة هذا النشاط وكيف يمارس وحجم وطبيعة الأموال التي تقدم له.. أليست هذه هي الشفافية التي نطالب بفرضها علي المؤسسات الحكومية فكيف لا تفرض علي مؤسسات المجتمع المدني؟! نحن مقبلون علي عصر ديمقراطي جديد.. والديمقراطية لا تعني الفوضي والانفلات والتشرذم.. وانما تعني الانفتاح والوضوح والشفافية والالتزام بالقواعد واللوائح والقوانين طالما هي قائمة مع العمل علي تغييرها ان كانت غير مناسبة. وليس من المعقول في هذا العصر الديمقراطي أن نقبل بأن تكون بلادنا مفتوحة لكل نشاط ولكل دولة ولكل مغامر.. أو أن تكون مستباحة من الشرق والغرب حتي لا نتحول جميعا إلي وكلاء لشركات ومؤسسات وحكومات أجنبية وننسي الوطن.. الأصل. لقد تطور الأمر وحصل إلي حد أن الأموال تتدفق علي هذه المنظمات من ايران والسعودية وقطر وأمريكا والكويت وألمانيا والدنمارك والنرويج.. وما خفي كان أعظم.. ولا أحد ضد هذه الأموال بشرط أن تكون معلنة وأن تستخدم في نشاط مشروع ومقنن وأن تكون أجهزة الرقابة في الدولة علي علم بها.. فهل يجادل أحد في ذلك؟! الغريب أن التهديدات التي توجه لمصر وللمجلس العسكري بسبب حملات التفتيش القانونية الحالية لم تقتصر علي أمريكا التي توعدت بوقف المعونة ولا علي ألمانيا التي استدعت سفيرنا في برلين لتسائله وانما وصل الأمر إلي ان المنظمات ذاتها استأسدت علي الدولة وراح اصحابها يهددون بانهم لن يكونوا لقمة سائغة وأن المجلس العسكري سيدفع الثمن.. وكل هذا يعكس محاولات ابتزاز رخيصة لمنع الدولة من ان تمارس سيادتها علي أرضها. ان المعني الوحيد لهذا الهوس الذي أصاب المنظمات وأفقد دراويشها صوابهم ان التحقيقات القانونية ربما تكشف حقائق مذهلة.. وربما تعري شخصيات تتغطي بأوراق التوت.. ونحن لا نريد أكثر من الحقيقة.. ومن يخشي الحقيقة إلا طيور الظلام؟!