تدرس حكومة الإنقاذ الوطني حالياً خطة لترشيد الإنفاق وتنفيذ عمليات تقشف للوزارات والهيئات الحكومية تنفيذاً لتوجيهات د. كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء الذي عبر عن قلقه الشديد تجاه العجز الكبير في الموازنة العامة والذي وصل إلي حد الخطر من وجهة نظره.. فضلاً عن وضع الاقتصاد المصري والذي وصفه بأنه أسوأ مما يتصوره أحد مشيراً إلي أن هناك حاجة للتقشف لكبح عجز الميزانية المتضخمة. وفي خطوة عاجلة لتنفيذ قرار التقشف كلف الجنزوري وزيرة التخطيط والتعاون الدولي فايزة أبو النجا بإعداد تقرير يتضمن خفض نفقات الوزارات والهيئات الحكومية بنسبة 3 إلي 5% وزيادة دخل الموازنة العامة من موارد جديدة في قطاع الضرائب والبترول والطاقة والكهرباء إلي جانب البحث عن موارد أخري جديدة. "المساء الاقتصادي" استطلعت آراء الخبراء في الإجراءات التي يمكن اقتراحها لإنجاح التقشف وترشيد الإنفاق. وضع د. حمدي عبدالعظيم الخبير الاقتصادي ومدير أكاديمية السادات الأسبق تصوراً للإجراءات التقشفية اللازمة لمساندة الاقتصاد المصري علي التعافي ومنها ضرورة إقامة حظر استيراد السيارات الفارهة لكبار الشخصيات في الوزارات والهيئات العامة والمحليات.. فضلاً عن منع شراء الأثاث والموبيليا وكذلك الأجهزة والآلات غير الضرورية سواءً من الداخل أو الخارج. أضاف عبدالعظيم: أن من بين تلك الإجراءات خفض تكاليف فواتير الاتصالات الخاصة بالوزارات والهيئات من خلال حظر استخدام خطوط اتصالات المحمول الخاصة بها إلي جانب المكالمات الدولية في غير أغراض تلك المؤسسات.. موضحاً أن فواتير الاتصالات في المؤسسات الحكومية تخطت كل الحدود المسموح بها بسبب الاستخدام الشخصي المفرط. شدد عبدالعظيم علي ضرورة الامتناع عن تمويل إقامة المؤتمرات الدولية أو المحلية من ميزانية الدولة وأن تكون إقامتها بتمويل ذاتي بحت.. فضلاً عن التخلص من عادة اقامة الحفلات والقضاء علي مظاهر البذخ والمجاملات والهدايا. ولتنمية الموارد أكد أن الوضع الراهن في حاجة إلي ضرورة الإسراع في وضع حد أدني وأقصي للأجور وتطبيقه علي أرض الواقع لإرساء قواعد العدالة الاجتماعية.. بالإضافة إلي مكافحة التهرب الضريبي وتحصيل المتأخرات.. فضلاً عن تطبيق الضريبة العقارية بعد تعديل القانون الخاص بها. وقال: يجب حصر وضم جميع الصنادق الخاصة وعدم إنشاء صناديق جديدة ووضعها جميعاً تحت تصرف وزارة المالية ورقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.. يضاف إلي ذلك ترشيد الطاقة من خلال تخفيض الدعم الموجه إلي عدد من المصانع دون المساس بالمستهلكين.. مثل مصانع "الحديد والصلب الأسمنت السيراميك الألومنيوم الكيماويات" وغيرها. وعلي الرغم من المقترحات التي تعكف عليها اللجنة الوزارية المعنية ببحث الإجراءات العاجلة لتحسين الأوضاع الاقتصادية برئاسة د. كمال الجنزوري والتي صرحت فايزة أبو النجا عضو اللجنة بأنها تراعي عدة مباديء أساسية أهمها ألا يمس ترشيد الإنفاق الحياة اليومية للمواطن وألا يلقي بأعباء إضافية علي كاهله.. إلي جانب زيادة كفاءة أجهزة تحصيل موارد الدولة والعمل علي تعظيمها. يقول د. مختار الشريف الخبير الاقتصادي: إجراءات التقشف التي أعلن عنها رئيس مجلس الوزراء ما هي إلا تحصيل حاصل حتي لا يلام علي التقصير أو إهمال هذا الإجراء.. يضاف إلي ذلك أن الحكومات السابقة منذ الخمسينيات كانت تتخذ تدابير مماثلة وتعلن عنها لتوفير النفقات لصالح الميزانية العامة لكنها أثبتت فشلها.. لأن التقشف إذا جاء بهدف التخفيض أضر بالصالح العام في أشياء أخري. أشار الشريف إلي أن التقشف لن يوقف التدهور الحالي في الاقتصاد في ظل غياب منظومة الإنتاج والعمل في مصر.. علاوة علي استمرار نزيف الخسائر اليومي في القطاعات التي تمثل موارد أساسية للدخل العام.. حيث حقق قطاع السياحة في مصر خسائر تصل إلي مليار دولار شهرياً.. بجانب خسائر قطاع البترول والديون المتراكمة عليه.. وانخفاض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار. أوضح الشريف أن المواطن المصري سبق الجنزوري بالفعل في تنفيذ إجراءات تقشفية نتيجة زيادة الأسعار وارتفاع نسبة التضخم وبالتالي انخفاض النسبة الشرائية مما يساهم بدوره في تعطيل حركة الانتاج. أضاف: أن ميزانية الدولة يتم تقسيمها علي ثلاثة قطاعات بنسبة الثلث لكل منها وهي الأجور وخدمة الدين العام بالإضافة إلي الدعم.. وقال: يجب أن يشمل التقشف ثلاثتها لتحقيق نتائج حقيقية وملموسة دون المساس بمصلحة المواطن بشكل كبير. رفضت د. غادة بشر أستاذة الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية ما وصفه د. كمال الجنزوري بالتقشف داخل الوزارات والهيئات الحكومية.. مشيرة إلي أن الإجراءات التقشفية التي يتطلع لها ليست إلا محاولة للعدالة والتوزيع العادل لأموال الدولة. طرحت غادة بشر اقتراحاً لدعم الموازنة كبديل عملي وفوري عن إجراءات التقشف المزعومة.. مشيرة إلي ضرورة إنشاء "صندوق لدعم الاقتصاد المصري وسد عجز الموازنة" من خلال إلزام كل أسرة مصرية بدفع جنيه واحد أسبوعياً لصالح الصندوق.. علي أن ترتفع هذه القيمة داخل أوساط الأسر مرتفعة الدخل.. بجانب إلزام الموظفين والعاملين داخل الهيئات والوزارات والشركات الحكومية بخصم 3 جنيهات كحد أدني من مرتباتهم أو مكافآتهم شهرياً ولمدة ستة أشهر.. وهي المدة التي تتوقع بشر خلالها سد عجز الموازنة وتحسين الوضع الاقتصادي داخل القطر المصري. تري بشر أن مقترحها يتماشي مع التجربة اليابانية في أعقاب كارثة الزلزال الأخير وما تبعها من موجات تسونامي التي ضربت اليابان والتي ظهر خلالها جوهر المواطن الياباني وولاؤه الحقيقي لبلاده.. حيث تنازل السواد الأعظم من الطبقة العاملة في أجهزة الدولة عن 10% من مرتباتهم فضلاً عن اتخاذ العاملين في خطوط الإنتاج قراراً بزيادة ساعات العمل بمعدل ساعتين يومياً وبدون مقابل.