بكل صراحة.. بكل وضوح.. صارت اشتباكات شارع محمد محمود نقطة ضعف كبيرة لدي المتظاهرين والمعتصمين في ميدان التحرير.. خصوصاً بعد أن تكاثر عدد الضحايا والمصابين.. وزادت علامات الاستفهام حول هوية هؤلاء الذين يصرون علي الالتحام والاقتراب من مبني وزارة الداخلية.. وإعلان بعض المتظاهرين في الميدان أنهم برءاء من هذه المعارك التي لا تنتهي بين متظاهري شارع محمد محمود والشرطة. نعم.. أصبح عندنا فريق يطلق عليه اسم "متظاهرو شارع محمد محمود" وهؤلاء يختلفون كثيراً عن متظاهري ميدان التحرير الذين حرصوا طوال الوقت علي عدم الاشتباك وتمسكوا بالطبيعة السلمية لمظاهراتهم.. بينما يصر متظاهرو شارع محمد محمود علي الكر والفر.. واعطاء الفرصة للطرف الآخر لكي يستخدم الغازات وقنابل الدخان والرصاص المطاطي بدعوي الدفاع عن مبني وزارة الداخلية. وبعد أربعة أيام من الاشتباكات المتواصلة وسقوط الضحايا والمصابين أصبح واجباً أن نقول كلمة حق لهؤلاء الإخوة: عودوا إلي ميدانكم.. ميدان التحرير.. وارفعوا هتافكم.. سلمية سلمية.. وعبروا عن مطالبكم بطريقة حضارية مثلما كان عليه الأمر في ثورة 25 يناير. كفانا قتلي ومصابين.. كفانا إراقة دماء.. كفانا حزناً واكتئابا ليل نهار.. اجعلوها سلمية بيضاء.. ولا تضعوا الهجوم علي وزارة الداخلية هدفاً ثورياً من أهدافكم.. فمبني الوزارة ليس ملكاً للوزير ولا لمساعديه وضباطه وإنما هو ملك لنا جميعا.. للشعب بأكمله.. سيذهب الوزير ويذهب من يجلسون علي المكاتب الوثيرة الآن.. وربما يجلس مكانهم أحد الثوار المتواجدين الآن في ميدان التحرير. أعرف أن لا أحد له وصاية علي المتظاهرين.. وأعرف أن النصيحة في هذا المقام مشكوك فيها ومن الصعب قبولها.. لكن لا خير فينا إن لم نقلها اليوم لنحقن الدماء التي تسيل كل ساعة في شارع محمد محمود.. بل في كل لحظة.. وهي دماء إخوة وأبناء أعزاء.. دماء بريئة حرمها الله وجعل لها عصمة وحرمة أكبر من عصمة الكعبة المشرفة وحرمتها. عودوا إلي الميدان يا إخوتنا ويا أبناءنا.. فهو ملككم وساحتكم.. وحافظوا علي الحق الذي انتزعتموه للمصريين جميعا.. حق التظاهر والاعتصام السلميين في ميدان التحرير.. وساعتها لن يتسامح الشعب بأكمله مع طلقة دخان واحدة تلقي عليكم لأنها ستكون طلقة عدوان واضح وليست كما يقال الآن لحماية مبني وزارة الداخلية ومؤسسات الدولة.. ودفاعاً من الضباط والجنود عن أنفسهم. وما يقال عن اشتباكات مبني وزارة الداخلية في القاهرة يقال مثله عن الالتحام الدائم الذي يحدث بين المتظاهرين في الاسكندرية وباقي المحافظات ومديريات الأمن.. فهؤلاء المتظاهرون يزحفون من الشوارع والميادين ويتجمعون حول مبني المديريات.. يحاصرونها ويضربونها بالحجارة ويكسرون واجهاتها ويعتدون علي الحراس.. ومن ثم ترد أجهزة الشرطة بإطلاق الرصاص المطاطي والخرطوش وقنابل الغاز.. وبالتالي يقع الضحايا والمصابون. وفي كثير من تقارير مندوبي القنوات الفضائية يقال إن الذين يتعمدون الاشتباك مع الأمن المركزي وضرب مبني مديريات الأمن من الصبية الصغار الذين يسهل استفزازهم ولا يمكن ضبط سلوكهم. وسواء أكانت الاشتباكات في شارع محمد محمود أو في المحافظات فإنها في النهاية تشوه صورة شباب الثورة والمتظاهرين والمعتصمين.. ومن باب المصارحة اللازمة لابد أن نعترف بأن هناك من يشكك في انتماء هؤلاء الذين يصرون علي الاشتباك والالتحام إلي الثورة وإلي ميدان التحرير. وأزيد علي ذلك بأن هناك من يتهمهم بتنفيذ مخطط لفلول الحزب الوطني المنحل وبعض رجال الأعمال لضرب الثورة وإرباك المسيرة الديمقراطية والانتقام من هذا الشعب العظيم الذي أعطي نموذجاً حضارياً رائعاً لشعب يثور سلمياً.. ويتمرد علي الظلم والفساد.. ثم يذهب لينظف ويجمل المكان الذي تظاهر واعتصم فيه. إن من حق أبناء هذا الشعب أن يتظاهروا سلمياً وأن يعتصموا.. ومن واجب الشرطة أن تحمي ظهورهم وتضعهم في أعينها.. ومن واجب السلطة السياسية أن تستمع إليهم وتتحاور معهم وتصارحهم بما في استطاعتها وما ليس في استطاعتها.. وأن تضع نفسها أمامهم للحوار والتوافق لا أن تسد قنوات الاتصال وتترك الأمر للأمن وحده ليتحمل المسئولية ويغرق في بحر الدماء. يا شبابنا.. حافظوا علي أنفسكم وأرواحكم.. فأنتم أمل مصر ومستقبلها.. وأنتم أغلي ما تملك.