زلزله الخبر فور سماعه. وتقطعت أوصال كلماته المخلوطة بأنفاسه المتلاحقة. ترك ما في يده ونسي أن يستأذن من مديره. أو حتي يبلغ عن أجازة مرضية أو عرضية. تجمع زملاؤه حوله. يسألونه ويواسونه خير إن شاء الله ... نذهب معك .... أزمة وتعدي هرول إلي الشارع. وقف علي محطة الأتوبيس قلقا. انتظر دقائق. أشار لتاكسي لم يتوقف. راح يجري في الشارع كالمعتوه. أوقف تاكسي. جلس يلهث ودقات قلبه تصرخ في جنبيه. تصبب العرق علي جسده. وصورة أمه تتراقص أمام عينيه. رآها ملوحة له بالسلامة والدعوة بالنجاح وهو ذاهب إلي مدرسته في الصباح. ونصائحها المتكررة له بالاستذكار والابتعاد عن أصدقاء السوء. وساعدتها يوم تخرجه. ورحلة بحثها معه عن عمل. ووقوفها بجواره وهو مريض ليلا ونهارا تناوله الدواء وتجهز الطعام المناسب الذي نصح به الطبيب. إلي أن شفي وهي توزع الشربات وعلب الحلوي علي المدعوين يوم زفافه وتطلق الزغاريد العالية فرحة اخترق الوجوه الحزينة وجدها ممددة علي سريرها. الشحوب يصبغ وجهها. وعيناها منطفئتان. والإنهاك يعربد في جسدها. أنفاسها لا هثة. اقترب منها وراح يحملق فيها سامحيني يا أمي ...... ردي علي .. اقترب أخوه منها أحضر لك محشي الكرنب أم المسقعة التي تحبينها؟ حاولت فتح فمها. تعثرت. اقترب منها وراح يقبل رأسها ووجنتيها ويدها ورجلها. وارتفع صراخة وهو يدور في الحجرة حولها: سامحيني يا أمي .. كأنه يصرخ في بئر فارغة. فيرجع له صدي صوته دون مجيب. حاولت فتح عينيها المنهكتين. تملكه الأمل. ركع علي ركبتيه بجوار سريرها. وأسند ساعديه علي حافته. واقترب منها. حدق في وجهها الذي افترسه المرض. هربت ظلال بسمة واهنة علي شفتيها الحقوني بالدكتور الدكتور كان هنا من دقائق تطلع إلي محاليل الدم والجلوكوز المغروزة في ساعديها. راح يذرع الغرفة جيئة وذهابا. ويعاود النظر إليها. ويحدق في الوجوه العابسة المشبعة بالمشاعر الإنسانية. ويراوده الأمل أن تتكلم ولو كلمة واحدة. ويلوم نفسه علي انقطاعه عنها شهوراً عديدة فاحت في الحجرة رائحة الدواء والمرض والموت. لم يستطع كبح جماح دموعه فانفجرت