بينما كانت القيادات الإسلامية والمسيحية تتبادل التهاني بعيد الأضحي في القاهرة.. وكان هناك أكثر من مليوني مسلم ومسيحي يحتفلون معا بمولد القديس مارجرجس في جبل الرزيقات بمدينة أرمنت في محافظة الأقصر.. كانت هناك إشارة حمراء تنبعث من قرية "النواهض" التابعة لمركز أبوتشت بمحافظة قنا تقول إن الجسد الوطني يعاني من أورام وتقيحات تستدعي علاجاً ناجعاً قبل أن يستفحل أمرها. في ذلك اليوم الثلاثاء الذي وافق أول أيام عيد الأضحي انتشرت في "النواهض" شائعة بأن شابا مسيحياً علي علاقة خاطئة مع فتاة مسلمة.. وبسبب هذه الشائعة وقعت مصادمات واشتباكات بين جماعة من شباب القرية المسلم والشباب المسيحي.. أحرقت فيها خمسة منازل يملكها مسيحيون بالإضافة الي محل تجاري.. وعلي الفور انتقلت قوات الأمن إلي القرية وتمكنت من السيطرة علي الموقف وأعادت الهدوء.. وألقت القبض علي الشبان المتورطين في أحداث الشغب من الجانبين.. وأخذت في تقدير قيمة الخسائر والتلفيات لتعويض أصحابها. وعلي الرغم من أن بعض المصادر أشارت إلي أن سبب المصادمات يرجع لخلافات أصلا بين أسرتي الفتي والفتاة المتهمين في العلاقة العاطفية الخاطئة.. وعلي الرغم أيضا من أن بعض التقارير أشارت إلي الطبيعة الحادة لإخواننا أهل الصعيد في معالجة مثل هذه القضايا الشائكة.. مع ملاحظة أن شيخ الأزهر والبابا شنودة ينتميان إلي الصعيد ويتمتعان. وغيرهما كثيرون. بقدر هائل من التسامح وسعة الصدر.. إلا أن القضية تحولت الي مادة للإثارة في بعض الصحف والفضائيات علي أساس أنها نموذج للتحرش الطائفي.. وانتهت إلي أن الشرطة فرضت حظر التجول في القرية عشية عيد الأضحي.. وهو أمر يحزن بلا شك كل وطني غيور علي بلده.. وعلي أمنه وسلامته. الإشارة الحمراء تعطي تنبيهاً بأن جزءاً من جسدنا الوطني يعاني من وجع حقيقي.. يستحق أن نقف عنده طويلاً.. وأن نبحث أسبابه.. ونعالجه علاجاً حاسماً.. حتي لا يفاجئنا هذا الوجع في مرات قادمة لا قدر الله بتداعيات أسوأ مما رأيناها. والوجع الذي أقصده هو وجع اجتماعي وثقافي أكثر منه وجعا دينيا أو وطائفيا.. ولايتعلق بما حدث في "النواهض" فقط علي خطورته.. وإنما بحالة العنف العام والاستثارة التي اتخذت أبعاداً عديدة تتسع يوما بعد يوم.. في المدارس والجامعات.. في الأسواق والشوارع.. في المصالح الحكومية وفي البيوت.. لكن يظل أسوأها وأخطرها البعد الطائفي. مامعني أن يعاكس شاب مسيحي فتاة مسلمة أو يقيم علاقة خاطئة معها فتنقلب الدنيا رأسا علي عقب.. ويتحول الأمر الي مصادمات واشتباكات بين الأهالي تحرق فيها المنازل ويصاب فيها الأبرياء؟! وما معني أن يتزوج شاب مسلم بفتاة مسيحية فيتربص به أهلها ويقتلوه؟!.. وما معني أن يغتصب شاب مسيحي طفلة مسلمة فيصل الأمر إلي قتل الأبرياء أثناء خروجهم من قداس عيد الميلاد علي أبواب كنائسهم؟! في الغالب الأعم ليس في مصر فتنة طائفية والحمد لله.. وقد أكد اللواء مجدي أيوب محافظ قنا فيما نشرته "المساء" يوم الأربعاء الماضي أن حادث "النواهض" جنائي وليس طائفياً.. حيث تم الاعتداء علي منزل والد الشاب الذي سرت بشأنه الشائعة وامتدت النيران الي منازل مجاورة.. ولو كان هناك بعد طائفي للحادث لاعتدي المتجمهرون علي الكنيسة التي تقع في الشارع الملاصق لشارع والد الشاب. ومع ذلك فإن مصر مطالبة بأن تعالج جروحها "الطائفية" حتي لاتسقط في مستنقع الفتنة.. والعلاج لن يكون الا بتفعيل القانون حتي يكون هو وحده الحكم في مواجهة هذه الجرائم الجنائية التي تحمل شبهة طائفية.. ولايترك أمر تلك الجرائم الي الثورات والانفعالات القبلية القائمة علي التحزب الطائفي. لم تعد الأمور تحتمل مزيدا من جلسات الصلح العرفية.. ولم يعد يصلح منهج تطييب الخواطر وتهدئة النفوس.. رغم أهمية ذلك بلاشك.. لكن لابد قبل كل شيء أن يأخذ القانون مجراه بكل حسم.. حتي يدرك الجميع أنهم يعيشون في دولة المواطنة ودولة القانون.. الدولة التي يتساوي فيها الجميع في الحقوق والواجبات.. مسلمون ومسيحيون وغيرهم.. الجميع سواء.. وعليهم ألا يحتكموا إلا الي القانون.. وإلا فالبديل هو الفوضي القاتلة.. والفتنة التي لاتبقي ولاتذر. في ضوء القانون لم يكن أمر فتي "النواهض" وفتاتها يستحق كل هذه الضجة التي كانت لولا التحزب المقيت.. فالفتي لايتجاوز 19 عاما والفتاة 17 عاماً.. والقانون كفيل بتوفير العقاب الرادع لكل منهما.. لكن ما ذنب أصحاب المنازل والمحلات التي احترقت؟! إن الإسلام ينهي عن هذا التحزب الأعمي.. والإساءة الي الأبرياء الذين لم يرتكبوا ذنباً ويؤخذون بذنوب غيرهم.. حيث يقول تعالي : "ولاتزر وازرة وزر أخري".. ويقول : "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه".. ويقول : "ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي". والشاهد هنا أن العقاب لاينال إلا من ارتكب الجرم وحده.. ولايصل إلي أهله وعشيرته.. والذي يقوم بتنفيذ العقاب ليس آحاد الناس وإلا تحولت الحياة إلي فوضي وعشوائية وإنما هو الحاكم وسلطات الدولة المنوط بها تطبيق القانون. ولو كان هناك بقية من عقل لدي شباب "النواهض" الثائرين لشرف العائلة وشرف الإسلام. كما يزعمون لقدموا الفتي والفتاة إلي السلطات وهي تتكفل بباقي الاجراءات.. وساعتها كنا سنشكر لهم هذا الدور وهذه الغيرة.. وسيشكر الله لهم صنيعهم أيضا.. لكنهم للأسف ارتكبوا جرماً أكبر لايرضي الله ورسوله قطعاً.. ولا يرضي عقلاء الأمة ولا عقلاء الوطن.. وذلك عندما اعتدوا علي أبرياء آمنين.. ليسوا طرفا في المشكلة.. هؤلاء الأبرياء هم إخوانهم في الوطن.. وشركاؤهم في حق الحياة. أعرف مما نشر أن قوات الأمن قد هرعت الي قرية "النواهض" فور اندلاع الأحداث.. ومعها وحدات الإطفاء التي تكفلت باطفاء الحرائق.. وكنت أتمني أن تلحق بهذه القوات والوحدات فرق من الباحثين في مركزالبحوث الاجتماعية والجنائية لكي تستقصي الحالة المرضية علي الطبيعة.. وتعرف بوسائلها البحثية الموضوعية الأسباب التي من أجلها يلجأ مثل هؤلاء الشبان إلي التعامل بعنف مبالغ فيه مع أخطاء بسيطة يتم تضخيمها واعطاؤها أبعاداً لاتحتملها. ربما تجد هذه الفرق البحثية أن المشكلة في حالة الاحتقان العام.. وقد تجد أن السبب يرجع الي احساس الشباب بالعجز والانكفاء علي الذات وعدم الوعي والجهل.. وقد تكون هناك أسباب أخري غامضة لا ندركها.. المهم أن الأمر جد خطير.. ويحتاج الي علاج والي دراسة حتي تستعيد مصر عافيتها.. وتعود لنا مصر التي نعرفها.. ومصر الأمن والحب والتعاون.. مصر التي لاتعرف البغضاء والحقد والانتقام. إشارات * قال الرئيس العراقي جلال طالباني إنه لن يوقع قرار اعدام طارق عزيز.. نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في عهد صدام حسين. * أحسنت والله.. كفايه دم. * انتظروا مزيدا من الهجوم الأمريكي علي مصر.. مرة بسبب الانتخابات.. ومرة بسبب اليورانيوم المخصب.. خصوصا إذا استمر الرفض المصري للصفقة الخبيثة التي قدمتها أمريكا لإسرائيل بدعوي حوافز لتجميد الاستيطان. * نجمنا الغالي أبوتريكة في حالة نفسية سيئة.. والسبب من وجهة نظره يرجع لحسن شحاتة ومانويل جوزيه اللذين أجادا التعامل معه وجعلاه يقدم أفضل ما عنده. بصراحة.. عنده حق.. فالعباقرة يحتاجون دائما إلي قادة أذكياء يفجرون طاقاتهم الإبداعية.