جوزيف تاي أستاذ في جامعة هارفارد.. أول من استخدم مصطلح القوة الناعمة كوسيلة للتأثير والانتصار دون إكراه.. وتطور المفهوم بعده كوسيلة للتأثير علي الرأي العام وتغييره بوسائل أقل شفافية ولكنها أحياناً تكون أكثر تأثيراً وعندما أقول إنها أقل شفافية فإنما أقصد أنها ذات تأثير غير مباشر أو أحياناً خادع. وإذا كان جوبلز وزير الدعاية لهتلر استخدم الدعاية كوسيلة حربية من خلال تقديم أعمال إعلامية "إذاعية في ذلك الوقت كالموسيقي" يحبها المرسل إليه أو مستقبل الرسالة الدعائية ومن خلال جذب المرسل إليه بالموسيقي والغناء يقدم بيانات أو نشرات إخبارية بينها يمتزج فيها الصدق مع الكذب المقصود.. ثم ترجم جوزيف تاي كل الوسائل غير المباشرة في رؤيته للقوة الناعمة.. بعدها كانت هذه الوسائل هي الأكثر تأثيراً.. ولعلنا نذكر أن منتخب تنس الطاولة الأمريكي كان هو أول من طبع العلاقات الأمريكية- الصينية بلقاءات مع منتخب الصين في بكين.. وبعدها بدأ الحوار الدافئ بين البلدين لإذابة الجليد. هذه المقدمة برغم طولها إلا أنها ضرورية لنتابع معاً كيف يشنون عليها حرباً حقيقية من خلال القوة الناعمة.. وبعد أن كانت مصر تستغل القوة الناعمة أصبحت هذه القوة ضدنا. في الفترة الأخيرة تم استغلال النكات المصرية التي تميز شعب مصر وخفة دمه وحبه للنكتة لتكون النكات موجهة ضد مصر وضد الشعب وثوابته وضد قياداته.. ومع انتشار النكتة تترسخ الصورة الذهنية لدي متلقي النكتة وتتحول تدريجياً من مجرد نكتة إلي شيء ما من الحقيقة وهكذا.. بعد عشرات النكات في نفس الاتجاه تصبح الحقيقة أكثر ثباتاً مما يؤثر علي ثوابت الشعب وقناعاته تدريجياً. يوما ما كان الأهلي والزمالك ومنتخب الفراعنة والاسكواش المصري المتألق عالمياً من القوة الناعمة لمصر داخلياً وخارجياً.. وكانت أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وشادية وغيرهم في الغناء قوي ناعمة.. وكانت الموسيقي العربية والإنشاد الديني قوي ناعمة.. وكان د.زاهي حواس وغيره من علماء الآثار المصرية وأساتذة مصر في كل المجالات قوي ناعمة.. بل كان المدرس المصري في الخليج والجزائر والطبيب المصري والمهندس المصري قوي ناعمة وكانت شركة النصر للاستيراد والتصدير في أفريقيا ومن بعدها المقاولون العرب قوي ناعمة.. ومهندسو الري في كثير من البلاد الأفريقية قوي ناعمة. كانت الاحتفالات المصرية بشهر رمضان وما يصاحبها في كل المجالات قوي ناعمة.. كان معرض الكتاب من أهم القوي الناعمة وكذلك المهرجانات الفنية خاصة مهرجان القاهرة السينمائي.. كنا نملك قوي ناعمة متعددة لا نحارب بها ولكنها تساعدنا علي رد العدوان وتساعدنا علي تقوية الجبهة الداخلية. اليوم أصبح الوضع معكوساً بفعل فاعل وبالذات السنوات الأخيرة في حكم حسني مبارك ثم السنوات الأولي بعد ثورة يناير 2011 حيث أصبحت القوي الناعمة ضدنا وليس لنا يتم استغلالها ضد مصر بداية من الهبوط الكبير في المستوي الفني والأخلاقي واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي ضد القيم المصرية الأصيلة. حتي بعض الفتاوي الدينية وآراء بعض العلماء يتم استغلالها ضد ثوابت المجتمع برغم أنها شهدت عكس ذلك تماماً. النكات ضد الصعايدة مثلاً فشلت في خلق حالة انقسام بين الصعايدة والفلاحين بل كان الإنسان المصري الجميل يستغلها لبث الدفء والتواصل بين أبناء الشعب.. وتحدث مفارقات جميلة بين الأسواني وفلاحي المنصورة أو القناوي وفلاحي الشرقية والدمياطي والأسيوطي.. وهكذا!! النكتة الآن يتم استخدامها أحياناً ضد مصر بقصد وبدراسة في مخابرات بعض الدول ضدنا. الرياضة وبالذات كرة القدم يتم استغلالها أيضاً ضدنا ورغم أننا وصلنا كأس العالم إلا أنك لا تشعر نفس الشعور الذي انتاب مصر عام 1990.. والحديث عن محبوب الجماهير محمد صلاح بدأ يأخذ منحي جديداً ومقارنات لا مبرر لها ولا منطق بين صلاح وأبوتريكة وحسام حسن والخطيب رغم أن كلاً منهم نجم كبير له صفاته التي تميزه جداً عن الآخر بل وهناك نجوم آخرون لهم مميزاتهم أيضاً.. لكنها محاولة استغلال الكرة ضد مصر وليس لصالحها بدليل أن هناك حرباً مازالت مستمرة ضد عودة الجماهير رغم أن هذه العودة تحتاج إلي أجهزة حديثة مثل كل ملاعب العالم لضبط أي مخالفة..!! الفن الهابط والقضايا الهامشية التي يمكن أن نقول عنها "هايفة" لانشغال الناس حرب ضد مصر.. لأن مصر الكبيرة العظيمة لا تشغلها التوافه حتي إن كانت مغلفة بسخونة..! الشعب المصري الأصيل انتصر كثيراً علي كل الاحباطات عبر تاريخه.. عندما تآمر الانجليز في ثورة 1919 ضد الشعب ونفوا سعد زغلول ورفاقه عاد سعد أقوي وأكبر.. وقبله تآمروا علي أحمد عرابي لتشويه تاريخه فأصبح عرابي زعيم الفلاحين بلا منازع.. وتكررت سيناريوهات عديدة مع مصطفي كامل ومحمد فريد والنحاس وغيرهم حتي جمال عبدالناصر حاولوا تشويه تاريخه الكبير بكل وسائل القوي الناعمة وغير الناعمة.. لكنهم فشلوا!! ما يدار الآن لمصر من مؤامرات خارجية وداخلية بات مكشوفاً ومعروفاً.. والشعب يعرف كثيراً حتي ما لا يعرفه الشعب هو مقتنع أن هناك مؤامرات ما ضده وضد مستقبل مصر.. لذلك فإن الشعب نفسه هو الذي سيتصدي لكل هذه المؤامرات وهذه الحرب ضده لكن في نفس الوقت مطلوب "الوعي"..!! نحن في حاجة إلي إعلام جيد سواء عبر الوسائل التقليدية أو الجديدة.. لا تكون مهمته مجرد المواجهة والدفاع.. بل لتكون مهمته خوض المعارك من أجل مستقبل مصر..!!