الحكمة والسماحة من أهم السمات والمعالم الأساسية للاسلام الرأفة والرحمة تترسخ في قلوب أتباعه. وتغرس مباديء الاسلام كل القيم الرفيعة في كل الأوساط التي يتواجد بها المسلمون. ففي جوارهم الود والمحبة وكل ألوان الرعاية والاهتمام وحسن التعامل. هؤلاء الرجال لا يعرفون سوي احترام البشر أيا كانت جنسيته أو عقيدته نصب أعينهم دائماً قول الله تعالي "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلاً" 70 سورة الاسراء. ما يجري علي أرض الواقع يؤكد تلك الحقائق ويدحض أكاذيب دعاة الفتنة والترويج لأباطيل تحاول النيل من القيم الرفيعة لهذا الدين الخالد زوراً وبهتاناً. لنشر الفرقة بين صفوف أبناء المجتمع الذي يضم بين طوائفه أتباعاً للديانات الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية. رغم أن الواقع والتاريخ يدحض كل هذه الافتراءات ويقدم الدليل سواء من تصرفات رسول الإسلام سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم أو أصحابه أو من سجلات التاريخ. لكن .. من أشد ما تبتلي به الأمم هو الفرقة والتنازع والتقاتل خاصة عندما تختلف الملل والعقائد وهذا التناحر يؤدي إلي تخلف المجتمعات وتأخرها بسبب الانشغال بهذا التقاتل فكل طرف حريص علي أن يفرض علي الآخر وجهة نظره. وحسماً لهذا النزاع فإن الله عز وجل قد أرشد العالم إلي أن البشر طبائع مختلفة لكن هذا الاختلاف لا يجب أن يكون وسيلة للتناحر والتنابذ والتقاتل "ولو شاء ربك لجعل الناس آمة واحدة ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" 118 . 119 هود. وكذلك حدد القرآن الكريم معالم الطريق فقال في سورة الكافرون "قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين" فهل هناك أبلغ من ذلك كي يستنير أهل العقائد سواء. من أهل الإسلام أو الديانات الأخري أيا كان انتماؤها فلكل عقيدته التي يتمسك بها ويحيا في ظلالها وعلي كل هؤلاء العيش في هناءة وهدوء بعيداً عن التناحر والتقاتل. فقد أصبحت الأمور واضحة وضوح الشمس في صفاء النهار أنت حرفي الانتماء إلي أي عقيدة لكن عليك أن تحترم الآخرين والتعايش في سلام. وسماحة أشارت إلي ذلك بوضوح وحدد الضوابط لهذا التعايش بصورة لا تقبل الجدل وذلك في آيات متعددة. منها في سورة يونس "أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين" وفي سورة الكهف "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وفي سورة البقرة "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي". بعد هذا التوضيح يحدد القرآن الكريم "العلاقة التي يجب أن تسود بين أهل الديانات المختلفة فقال في سورة الممتحنة "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" 8 الممتحنة. تلك هي الضوابط بمعني أنني أنتمي للإسلام وجاري ينتمي لأي دين آخر مسيحي أو يهودي فيجب أن تكون هذه الضوابط هي الاطار الذي يحكم التعامل فيما بيننا. وأن اختلاف العقائد لا يعطل علاقات الحب تربط بين أبناء هذه الديانات. وكل إنسان سوف يحاسبه الله علي كل ما يعتقده ولا دخل لأي كائن من كان أن يحاسب أي مخلوق علي معتقده الحساب علي الله وحده. "وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً. اقرأ كتابك كفي بنفسك اليوم عليك حسيباً". كما أن أية سورة الممتحنة تجعل العيش في سلام بين أبناء المجتمع الواحد هو أفضل الطرق. ولا مكان للتعصب لاتباع الاسلام أيا كانت صفاتهم فالكل أمام الإسلام سواء. العدل الحرية المساواة وكذلك لا مجال لأي أتباع من أهل الديانات الأخري لاتخاذ أي موقف يشتم منه التعصب. بأي شكل من الأشكال. فالكل لآدم وأدم من تراب. حياة الأمم تنمو وتمضي للأمام في مناخ يتمتع بالاستقرار والمودة والترابط هو الطريق للعمل حقا في البناء والتعمير. وتلك هي أهم معالم الحضارة والتقدم والاسلام والشرائع السابقة أرست معالم الطريق لكل البشرية علي اختلاف مواقعهم ودياناتهم والمبدأ الأساسي "لكم دينكم ولي دين". من يتأمل سجلات التاريخ يجد الكثير من هذه التصرفات التي تؤكد أن وحدة الرأي وتجاوز النزعات الشخصية والاغراض المختلفة والانحياز لأي دين من الأديان. ففي سورة الشوري الخطوط التي تربط بين أتباع هذه الديانات وكلها تستهدف صالح البشرية بلا استثناء "شرع لكم من الدين ما وصي به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسي وعيسي أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر علي المشركين ماتدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب" 13 الشوري. ها هو عمر بن الخطاب تأتي إليه الأخبار من مصر بأن ابن عمرو بن العاص ضرب ابن أحد المصريين حين سبقه في سباق تم تنظيمه وقال له : كيف تسبقني وأنا ابن الاكرمين" وعلي الفور استدعي عمر أمير المؤمنين المسئول عن الخلافة الإسلامية عمرو بن العاص ومعه ابنه وحضر معهما ذلك المصري وابنه وفي مواجهة تفاصيلها في كتب التاريخ شاهدة علي مباديء الإسلام وقيمه الخالدة. وأمام الجميع نهرأمير المؤمنين عمرو بن العاص في كلمات خالدة هي : متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احراراً؟ وقال لابن المصري اقتص من ابن الاكرمين؟! ونال القبطي حقه في مشهد عظيم يؤكد مدي عظمة الإسلام وسماحته التي يتمتع أبناء كل الديانات بالأمن والامان في ظلالها وفي رحابها يعيش الجميع في أمن وأمان. فلا منغصات وليت أبناء أرض الكنانة يستلهمون وقائع التاريخ وعلاقات الاباء من المسلمين والمسيحيين التي كانت ولا تزال تسودها المحبة والود والاحترام. وليت المتعصبين من أتباع الإسلام والمسيحية يتوقفون عن نزعات التعصب والتطرف فلا مجال أمامهم جميعاً سوي الحياة معاً ونبذ أي دعوات للشقاق والنزاع والتطرف .. إن في ذلك لعبرة لمن يخشي. * * * دعاء ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين. ونجنا برحمتك من القوم الكافرين. اغفر لنا وسامحنا. وارزقنا العفاف والتقي والرحمة. ونسألك يا ربنا حسن الخاتمة في كل الأمور والسعادة في الدنيا والآخرة.