أكدت الأبحاث التي تم تقديمها في المؤتمر العالمي الذي نظمته دار الإفتاء المصرية تحت عنوان "دور الفتوي في استقرار المجتمعات" أن الفترة الأخيرة شهدت مجموعة من الفتاوي الضالة. التي زعزعت أمن واستقرار المجتمعات. وأشاعت الكراهية بين الناس. وبررت القتل والذبح لذلك كان لابد من مواجهة هذه الظاهرة بصورة علمية للخروج بنتائج قابلة للتطبيق علي أرض الواقع. من هذا المنطلق استعرضت "المساء الديني" ملخصات لبعض أبحاث المشاركين في المؤتمر والتي حاولت إيجاد حلول لفوضي الفتاوي وطرح الخطط وللمشاركة في التنمية الوطنية والعالمية. أشار د. علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي مصر السابق في بحث بعنوان "دور المفتي في تحقيق الأمن المجتمعي" إلي أنه لا أمن حضارياً بدون أمن روحي. ولا أمن روحياً بدون أخلاق. ولا أخلاق بدون دين. وأن الدين هو أيقونة التكامل بين الروحي والمادي. والعقلي والوجداني. والدنيوي والأخروي. أو كما عبر فلاسفة الإسلام عنه بالشريعة والحقيقة. وهو الدور الذي قام به متصوفة المسلمين وأولياؤهم. ويجب أن يقوم به المفتي والمعلم في وقتنا المعاصر. أكد أن المفتي هو المرشد الموجه لعموم الناس وهو أقرب إليهم من الحاكم والفقيه والعالم والقاضي في مسألة التربية. لاحتكاكه المباشر بقضاياهم وهمومهم ومشاكلهم. وما يتعرضون له من شُبَهي وصعوبات .. وبالتالي فإن المفتي الذي أعد إعدادا جيدا هو القادر علي توجيه الخلق وعصمتهم من الفتن. وإشاعة أجواء الأمن والأمان في حياتهم. وصيانة عقائدهم وشعائر دينهم. تبليغ الأحكام الشرعية قال فضيلة د. عباس شومان وكيل الأزهر إن الإفتاء إحدي أهم الوسائل لنشر وتبليغ الأحكام الشرعية التي تنضبط بها حركة الحياة. فالفتوي في طبيعتها وأصلها بيان لحكم الله في الواقع مشيرا خلال كلمته بالمؤتمر التي عرض فيها لبحثه المعنون ب "الفتوي وتحقيق السلم المجتمعي". إلي أن الفتوي بمثابة إخبار عن الله سبحانه وتعالي. أو عن رسوله صلي الله عليه وسلم. بأن أمرًا ما يحلُّ أو يحرُم. وقد عظَّمَ ربُّ العالمين أمرها. وجعل إطلاق الأحكام بالحل والحرمة دون دليل أو برهان من الكذب علي الله تعالي. بل أنزل الله تعالي الذين يفتون دون دليل. ويتقولون دون علم. ويتجرأون علي الأحكام دون بينة» أنزلهم بجوار أكبر فرية. وأعظم جرم. وهو أن يشرك الإنسان مع ربه أحدا. قال تعالي: "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَي اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون". قال فضيلته إنه من المبكي ما تشهده البلاد من تصدُّر رجال بل تيارات تنظِّر لفتاوي تخلق انقسامات بغيضة بين أبناء الوطن الواحد. وتؤصِّل لثقافة الكراهية والعنف والتطرف. وتؤكد فكر الإقصاء. مؤكدا أنه من البلاء أن يرجع في أمور الناس إلي أهل العلم الزائف أو العلم المدعي أو من ينسبون إلي العلم اسمًا فقط. مشيرا إلي أن الشرع الحنيف يأمر باحترام التخصص. وفي ختام كلمته طالب الدكتور عباس شومان بضرورة ألا تتصادم الفتاوي مع أصول الدين ومقاصده. وأن تراعي أحوال الناس والمستجدات الطارئة علي حياتهم حتي لا تؤدي إلي شقاق أو نزاع أو فرقة أو تهديد للسلم المجتمعي. فالفتاوي المنضبطة تعد صمام أمان للمجتمع بما تطرحه من رأي فقهي موثق. فإذا خرجت عن ذلك تكون معوقا ومهددا للسلم الاجتماعي لما يشوبها من عوار أو قصور. استقرار المجتمعات أوصي الدكتور أسامة محمد العبد رئيس لجنة الشؤون الدينية والأوقاف بمجلس النواب المصري في بحثه بعنوان "الإفتاء وتحقيق السلم المجتمعي" المفتي بضرورة ألا يفتي إلا بما يرضي الله عز وجل. ويعلم أنه سيقف بين يدي الله تعالي ليُسأل عمَّا قال. أو كتب أو عمل. وذلك مصداقًا لقول الله تعالي: "مَّا يَلفِظُ مِن قَولي إِلَّا لَدَيهِ رَقِيبى عَتِيد" وألا يؤدي بفتواه إلي فِتنةي داخل المجتمع. أو خروج عن شرع الله عز وجل» لمصلحة يبتغيها لنفسه أو لجماعة» لأن الدين أساس استقرار المجتمعات. وبعث الأمن والأمان في نفوس المواطنين. فلا تحرفوه عن أساسه وتجعلوه سببًا للفتن والاضطرابات. كما طالب المستفتي ألا يسأل إلا من كان واثقًا من فتواه وخشوعه لله عز وجل وألا يسأل في توافه الأمور.. وأكد أنه يجب علي مجلس النواب إخراج قانون يمنع نزيف الفتوي من غير أهلها» سواء كان ذلك عن طَريقِ الصحافة أو المحطات المرئية والمسموعة. صمام أمان وفي بحث بعنوان "دور الفتوي في الحفاظ علي هوية الدول والأمم" يري القاضي الدكتور أحمد عطية وزير الأوقاف والإرشاد اليمني أن الفتوي المبنية علي أصول الشريعة في المجتمع المسلم وغير المسلم هي صمام أمان لأهل الإسلام من فتن الشبهات والشهوات. وسد منيع دون التأثر بالتيارات الضالة والمناهج المنحرفة والطرق المبتدعة. وهي أيضًا تُكوِّن الشخصية المسلمة كما أرادها الإسلام. . أضاف أنه قد آن لفوضي الفتاوي أن تتوقف. وآن للمتصدرين لها أن يتقوا الله في شعوب قد أعياها التعب وأنهكها القتل والتشريد والحرب .. وآن لخوارج العصر أن يعتبروا بما حل بالأمة في القديم والحديث جراء الفتاوي الخاطئة والمنبثقة عن رغبة الانتقام والتسلط .. ولقد حان الوقت أن تمسح أمتنا عن جبينها غبار الزمن وضبابية الفتوي. وتسوي خلافاتها مع فكرها وتصوراتها. وتحزم أمرها. وتسند فتاواها إلي أهلها الشرعيين من أصحاب الدين والعقل والحكمة. آثار سلبية عدد د. مرزوق أولاد عبد الله أستاذ التعليم العالي بالجامعة الحرة بأمستردام هولندا عضو المجلس العلمي المغربي بأوروبا في بحث بعنوان "الفتوي ودورها في استقرار المجتمعات" آثار الفتاوي السلبية علي الأقليات المسلمة في الغرب والتي من شأنها أن تخلق صراعا نفسيا لدي الشخص المسلم. وما قد يترتب علي ذلك اضطرابات مجتمعية من عدم الاستقرار وتأنيب النفس وجلدها لارتكابها مخالفات شرعية وفقا لفتوي التحريم. ضبط الفتوي الشيخ حافظ جمالي مجو المفتي والقاضي الشرعي لمدينة كوموتيني بشمال اليونان في بحث "الفتاوي الشاذة وأثرها السلبي علي الاستقرار" يقول إنه لابد من ضبط الفتوي وتضييق دائرتها. حتي لا يتصدر لها هواة التميُّز والباحثون عن الشهرة وخُدام الأنظمة. وحتي نحافظپعلي أمن واستقرار مجتمعاتنا والعالَم كله من العبث .. مشيرا إلي أن ظاهرة التنطع والغلو في الدين من أكبر التحديات الفكرية التي يواجهها شباب الأمة الذين يجدون أنفسهم بين مطرقة التطرف وسندان الانحلال الديني والخلقي حيث يجب الأخذ بأيديهم إلي بر الأمان. من خلال الاهتمام بهم واحتوائهم .. لذلك لابد من الاهتمام بالمناهج التربوية في جميع المراحل الدراسية. وبخاصة التربية الإسلامية من أجل تحصين أفكار طلابنا ضد المفاهيم المنحرفة. قوة ضغط كبيرة حول "معالجة أسباب ظاهرة الإرهاب والتطرف وظاهرة الإسلاموفوبيا في صفوف شباب الأقليات المسلمة" يقول د محمد بشاري عميد معهد ابن سينا للعلوم الإنسانية رئيس الفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا أمين عام المؤتمر الإسلامي الأوروبي إنه يجب دعم العلاقة بين المراصد الإسلامية وممثلي الأقلية المسلمة في مختلف دول العالم. بما يتيح لأفراد هذه الأقليات الاتصال بالمراصد. وإبلاغها بأية معلومات يمكن الحصول عليها بهذا الشأن وتكثيف الاتصال بوسائل الإعلام الغربية. ومراكز البحوث والجامعات في الدول غير الإسلامية. لتصويب ما يصدر عنها بشأن الإسلام والمسلمين. يري أن الأقليات الإسلامية يمكن أن تشكل قوة ضغط كبيرة. إذا ما أحسن تنظيم جهودها واستثمار إمكاناتها. خاصة في ظل سيادة أجواء تبعث علي التفاؤل. وتمس حرية التعبير. وحرية التفكير. في البلدان الغربية لذلك فإنه بإمكانها أن تؤدي دورا فاعلا. في تصحيح صورة المسلمين في وسائل الإعلام. وذلك إذا تم التنسيق بينها ليس فقط فيما يتعلق بمواجهة التغطية السلبية للإسلام. وإنما في تنفيذ الاستراتيجيات الإعلامية اللازمة. مقام عظيم وفي بحث بعنوان "التنمية بالفتوي الاستراتيجية والضوابط" يقول الشيخ ذو الكفل محمد البكري المفتي الفيدرالي لدولة ماليزيا إن الفُتيا مَقامُها عظيمى. وخطرُها جسيمى. لذا اعتني أئمَّة السلف وعلماؤهم من أصوليين وفقهاء بشأن الفتيا. حيث وضعوا لها القواعدَ. وبيَّنوا الشروط التي يلزم تحقُّقُها في المفتي والمستفتي. وحصر أهم ضوابطِ الفتوي في أهلية المفتي بحيث يكون مكلفًا. مسلمًا. ثقةً. مأمونًا. متنزهًا من أسباب الفسق ومسقطات المروءة ومتيقظًا. فقيهَ النفس. سليمَ الذهن. رصينَ الفكر. صحيحَ التصرُّف والاستنباط .. كذلك من أهم ضوابط الفتوي الاعتماد علي الأدلة الشرعية والتحلي بصفات الإفتاء. نوازل الزمان د. محمد أحمد لوح رئيس لجنة الإفتاء في اتحاد علماء إفريقيا عميد الكلية الإفريقية للدراسات الإسلامية في السنغال في بحثه "الفتوي ودعم القضايا الإنسانية المشتركة" يقول إن النوازل في هذا الزمان متعددة. ومن أهم أبوابها ما يتعلَّق بعلاقة المسلمين مع غيرهم. وما يعتريها من أوضاع ومشكلات تقتضي الاجتهاد فيها. واختيار الرؤية الفقهية التي تلائمها. أو إحداث فتاوي باجتهادات جديدة للنوازل المستجدة قياسًا علي المنصوص عليه. واعتمادًا علي القواعد الفقهية ذات الصلة.