أشعر .. ويشعر كثيرون غيري.. أننا واقفون في ميدان ننتظر اشارة المرور الخضراء.. لكن انتظارنا طال وامتد.. فوقفنا في مكاننا حتي أصابنا الملل.. ثم فوجئنا بأن اشارات المرور في الميدان كلها ضربت مرة واحدة بلون واحد.. أحمر أو أخضر ليس مهما.. المهم أن الميدان صار ساحة للفوضي والمصادمات والتكدس.. واختلط فيه الحابل بالنابل.. ولم يعد معروفاً بشكل محدد أين الصواب وأين الخطأ. نظرة واحدة علي واقعنا لابد أن تنتهي بك إلي نفس النتيجة للأسف.. كل الاشارات ضربت.. والرؤية غائمة وضبابية.. الكل يضرب في الكل.. فلا تكاد تري نقطة للتوافق.. وكل شيء مرفوض ومشكوك فيه.. ولا ثوابت ولا مجال للخروج من النفق المظلم. أشعر.. ويشعر كثيرون غيري.. أننا في مهب الريح.. وأن قاربنا الواحد الذي طالما تغنينا به ذاهب إلي الخطر.. الخطر الذي لم نتوقعه في أصعب أيام الثورة.. كلنا خائفون وغاضبون ورافضون وغارقون في الشك وفي الشائعات المهلكة. الأحزاب تعترض بشدة علي نظام الانتخابات حتي بعد تعديله.. وتعترض علي تقسيم الدوائر الانتخابية.. وتتعجب من إصرار الحكومة علي هذا النظام رغم اللقاءات المتكررة التي جمعت الطرفين.. وأيضا اللقاءات التي تمت مع المجلس العسكري للتفاهم والاتفاق.. فلم يحدث تفاهم ولا اتفاق. ويخشي كثيرون ان يؤدي اعتماد نظام الدوائر الفردية إلي تسهيل انتخاب أعضاء سابقين في نظام مبارك والحزب الوطني المنحل.. بحكم أنهم يملكون المال والخبرة.. ويعرفون كيف يكسبون أصوات الدوائر الفردية. وهناك اتهامات متبادلة بين الأحزاب بالسعي إلي استيعاب فلول الحزب المنحل والافادة من عصبياتهم في القري والنجوع. وهناك أحزاب تهدد بمقاطعة الانتخابات.. وأحزاب أخري تدعو إلي مظاهرة مليونية لمطالبة المشير طنطاوي بتسليم السلطة.. ويسمونها "مليونية استرداد الثورة".. وهناك من يهدد بتوزيع نصف مليون بيان لدعوة المواطنين إلي الميدان.. وقد يصل الأمر إلي الدعوة للعصيان المدني والإضراب عن العمل. ودخل المرشحون المحتملون للرئاسة علي الخط.. فعقدوا اجتماعات ووجهوا رسائل إلي المجلس العسكري تطالب بوضع جدول زمني محدد لنقل السلطة وتواريخ تحترم لإنجاز المراحل الانتخابية واحدة تلو الأخري. وهكذا.. الكل يدعو إلي التصعيد والمواجهة.. ويتخوف من أن تكون هناك سيناريوهات غامضة ومخططات طي الكتمان. هناك من يتهم المجلس العسكري بالانحياز إلي الإخوان والتيار الإسلامي عموماً.. وهناك من يتهم الإخوان بنفاق المجلس العسكري.. والعكس صحيح.. هناك من يتهم المجلس العسكري بفتح الدوائر الفردية كي يتسلل منها فلول الحزب الوطني إلي مجلس الشعب علي اعتبار أنهم الأقدر علي مواجهة الإخوان أو إحداث التوازن معهم.. خصوصا في ضوء تحالف الإخوان مع الوفد واضمحلال التجمع وعدم نضج الأحزاب الجديدة والائتلافات الشبابية بعد. وهناك من يتهم المجلس العسكري أصلاً بأنه لا يريد أن يسلم السلطة للمدنيين.. ويحاول مد المرحلة الانتقالية إلي أطول فترة ممكنة حتي يظل قابضا علي السلطة.. وذلك علي الرغم من تأكيد المجلس في كل مناسبة علي أنه ليس له أية مطامع في الحكم. ونرجو أن يكون قرار المجلس العسكري بتحديد 28 نوفمبر القادم موعدا لانتخابات مجلس الشعب و29 يناير القادم موعداً لانتخابات مجلس الشوري فرصة لوضع حد لهذه الشائعات والشكوك.. وإنهاء حالة الجدل واللغط التي مللناها.. والاتجاه فوراً إلي تقديم البرامج السياسية للناخبين.. وبدء الحملات الدعائية فهذه هي البداية الحقيقية. واذا كان من الضروري تقديم تنازلات لإجراء الانتخابات البرلمانية هذه المرة طبقا للنظام المختلط بين القوائم والفردي فلا مانع من ذلك حتي تنطلق عجلة التغيير الديمقراطي.. ثم بعد ذلك يتم تغيير القانون حتي تجري الانتخابات بالقوائم الحزبية ويأتي الاتفاق في مناخ أفضل ويراعي محاذير عدم الدستورية. يجب أن نعمل جميعا وبنية حسنة للخروج من المناخ الذي نعيشه حالياً.. مناخ الاستقطاب والريبة.. والاشارات الضاربة.