أكد د. حمدي الصوالحي أستاذ الاقتصاد الزراعي بالمركز القومي للبحوث أن هناك وسائل عديدة لتحقيق التوازن بين الانتاج والاستهلاك في الغذاء يأتي في مقدمتها الاستثمار الزراعي في أفريقيا إما بطريقة مباشرة من خلال شراء أراض هناك أو بطريقة غير مباشرة بالدخول في شراكة وتحالف مع الشركات الكبري القائمة. قال في حواره ل "المساء" ان هذا الأسلوب يساعد في الحفاظ علي مواردنا المائية المحدودة وعدم استنزافها وتكوين رصيد استراتيجي من المحاصيل الأساسية وضمان عدم تعرضنا لأي أزمات مفاجئة تؤثر علي مدي قدرتنا علي توفير السلع الرئيسية للمواطن. أضاف أن الاعتماد علي الاستيراد فقط أو عدم وجود توازن بين ما ننتجه وما نستورده له آثار سيئة منها التعرض للتقلبات السعرية بالأسواق العالمية وتحميل ميزانية الدولة مبالغ ضخمة من جراء ذلك بجانب عدم توفير احتياجات المواطنين خاصة في ظل اتجاه كثير من دول العالم للحد من تصدير الكثير من المنتجات الزراعية بسبب التغيرات المناخية بها وتزايد الاحتياجات الداخلية لها. أشار إلي أن استخدام التكنولوجيا الحيوية في إنتاج أصناف جديدة قصيرة العمر مبكرة النضج تساهم في زيادة الانتاج يمكن أن يكون احدي الوسائل لسد الفجوة الغذائية بجانب توفير كميات كبيرة من المياه. * قلنا للدكتور حمدي الصوالحي.. لا شك أن مصر تعاني من فجوة غذائية وتعتمد في توفير جزء كبير منه علي الاستيراد فما هي الأسباب وراء ذلك؟ ** هذه المشكلة قائمة منذ سنوات طويلة وأعتقد أن الزيادة السكانية تلعب دوراً كبيراً فيها بالإضافة إلي عدم اتباع سياسات تؤدي إلي زيادة الإنتاجية فمنذ أزمة الغذاء العالمي عام 1974 تعددت السياسات التي تنفذها الحكومة لتوفير الغذاء للمواطن مثل سياسات زيادة الانتاج المحلي والاستيراد من الخارج وتشجيع الصادرات لتمويل واردات الغذاء ودعم الغذاء لتوفيره بأسعار محلية منخفضة تناسب جميع الفئات وخاصة الفئات الفقيرة وسياسات تحسين الدخول الفردية وعلي الرغم من ذلك فإن نجاح الجهود في توفير الغذاء تتحقق بالأساس بزيادة الاعتماد علي الواردات الغذائية وتحمل الاقتصاد القومي تكلفة الاستيراد والتعرض لمخاطر تقلبات الأسواق العالمية علي جانبي العرض والأسعار والتغير المستمر في تكلفة دعم الغذاء صعوداً أو هبوطاً في فترة زمنية وجيزة وبصورة غير متوقعة لدرجة أن مصر تصنف علي أنها "مستورد صافي" للغذاء وبلغت نسبة تغطية الصادرات الزراعية والغذائية 34% فقط من اجمالي قيمة الواردات الزراعية والغذائية وتعتبر مصر الدولة الثانية المستوردة للقمح والخامسة في استيراد الذرة والرابعة في استيراد الزيوت النباتية. برامج محددة * إذا كنا وضعنا أيدينا علي الداء فما هي من وجهة نظرك أساليب العلاج؟ ** بدون الدخول في التفاصيل وهي كثيرة هناك برامج محددة يجب أن يكون لها الأولوية في السياسة الزراعية لدفع نسبة الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الغذائية الرئيسية وتبدأ بتطوير نظم الري لتوفير 4.684 مليار متر مكعب من المياه تستخدم في زيادة المساحة المنزرعة وتفعيل قانون تحديد مساحة الأرز ب 1.2 مليون فدان في السنة حيث إنه من المحاصيل المستهلكة بكثرة للمياه وتعميم زراعة التقاوي عالية الانتاج والمقاومة للأمراض في المحاصيل الغذائية الرئيسية فبالرغم من استنباط أصناف عالية الانتاج ومقاومة للأمراض في المحاصيل الرئيسية إلا أن كمية التقاوي المنتجة لا تكفي زراعة كل مساحة المحاصيل ففي القمح مثلاً كمية التقاوي عالية الانتاج لا تكفي سوي 65% من المساحة وفي الذرة 74% من المساحة وفي الأرز 77% من المساحة وأيضاً ضرورة وقف البناء علي الأراضي الزراعية حيث تقدر الاحصائياتت التعديات علي الأراضي الزراعية سواء بالمباني أو التبوير بنحو 39 ألفاً من الأراضي الزراعية الخصبة في السنة وبذلك تكون الزراعة المصرية قد فقدت نحو مليون فدان من الأراضي الخصبة خلال الفترة من 1981 إلي 2007 أيضاً يجب تفعيل دور الارشاد الزراعي في انتاج المحاصيل الرئيسية. * وماذا عن التوسع في التكنولوجيا الحيوية في انتاج الغذاء؟ ** لقد أحدثت التكنولوجيا الحيوية تطوراً كبيراً في الإنتاج في دول العالم وتعتمد علي استنباط أصناف وسلالات ذات صفات مرغوب فيها ويمكن أن تحقق التكنولوجيا الحيوية في مصر انتاج أصناف قصيرة العمر مبكرة النضج تساهم في زيادة الانتاج وفي توفير مياه الري ومن ثم يجب أن يحظي هذا التخصص بمزيد من الاهتمام خاصة في مجال الحبوب والبقول. ضرورة ملحة * هل يمكن اعتبار الاستثمار الزراعي في الخارج وتحديداً في أفريقيا احدي الوسائل لتحقيق التوازن بين الانتاج والاستهلاك؟ ** بكل تأكيد وهو يمثل ضرورة لمصر لمجموعة من الأسباب هي الندرة النسبية للموارد المائية والأراضي الصالحة للزراعة وفي الوقت الذي يزداد فيه الطلب علي المواد الغذائية وارتفاع الأسعار أيضاً الاستثمار الزراعي الخارجي يؤدي إلي الحفاظ علي الموارد المائية وايجاد مخزون استراتيجي من السلع الأساسية مثل القمح والأرز والشعير والذرة وفول الصويا والثروة الحيوانية وهو ما يضمن تحقيق الأمن الغذائي لمصر ويحول دون نشوب ازمات غذائية مستقبلاً وأيضاً يضمن هذا الاستثمار زيادة أواصر التعاون مع الدول الافريقية خاصة التي تربطنا بها مصالح مشتركة وأقصد هنا دول حوض النيل لتأمين مواردنا من المياه خاصة وأن العالم مقبل علي أزمة مياه. خطوات مبدئية * لكن ألا تتفق معنا أن هذه النوعية من الاستثمار تحتاج إلي ضوابط؟ ** نعم هذا لاشك فيه وعلينا أن نبدأ باتخاذ عدد من الخطوات المبدئية تتمثل في دراسة النماذج المختلفة للاستثمار الزراعي في الخارج وترتيب الدول المستهدفة وفقاً لعدة مؤشرات أهمها نسبة المساحة الصالحة للزراعة والحجم الاقتصادي للقطاع الزراعي ودرجة الانفتاح الاقتصادي ومدي توافر العمالة الزراعية وحصر الضوابط المحددة للاستثمار الزراعي في أفريقيا وبعد هذه الخطوات يمكن أن نبحث شكل هذا الاستثمار وله أشكال عديدة أفضلها بالنسبة لنا السيطرة علي مجموعة شركات زراعية من خلال شراء السندات أو حصة فيها تؤدي إلي تحويل هذه الشركة إلي شركة استثمار مشترك والمشاركة هنا لن تقتصر علي الحصة في رأس المال بل تمتد أيضاً إلي الإدارة والخبرة ويعتبر الاستثمار المشترك من أفضل الأشكال التي تسمح للمستثمر بالحصول علي موافقة الدولة المضيفة علي الانشاء والتملك المطلق للمشروع.. أيضاً يتيح هذا النظام الحصول علي القروض المحلية والمواد الأولية.. وهناك نوع ثان وهو الاستثمار الزراعي الخارجي المباشر من خلال شراء أواستئجار أراض لمدد زمنية طويلة ولكن هذا يتطلب توفير الضمانات اللازمة لحماية الاستثمارات المصرية وأعتقد أن هذا لن يكون صعباً حيث إن معظم الدول لديها قناعة الآن بتشجيع هذه النوعية من الاستثمارات وهناك تجارب كثيرة في هذا المجال فالسودان بها استثمارات إماراتية وأردنية وليبية وأوكرانية وفي دول شمال أفريقيا هناك استثمارات أوروبية وكذلك الصين تستثمر بكثرة في الدول الافريقية.