في مقابل مئات عدة شاركوا في مظاهرة "الصمت الرهيب" بميدان التحرير. تدافع الآلاف إلي كوبري القبة لتشييع جثمان "خالد" نجل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. مسألة المشاركة هنا موحية للغاية. فالآلاف الذين فضلوا إلقاء نظرة الوداع الأخيرة علي ابن الزعيم. فعلوا ذلك طوعاً ودون حشد وعن وعي شديد نظراً لمكانة الفقيد "كان أيضا قائداً لتنظيم ثورة مصر" ومكانة والده الراحل الذي انضم إليه في دار الحق. آلاف المشيعين ضنوا بوقتهم لتلبية دعوة التحرير رغم الشعارات المرفوعة للمظاهرة والتي قد يتفق أو يختلف عليها الجميع من حيث المبدأ. لكن هناك إجماع حول رفض أسلوب التعبير عن ترجمة تلك الشعارات علي أرض الواقع. بالأحري أرض الميدان. مظاهرة هنا. وجنازة هناك.. حضور هناك. وغياب هنا.. فأيهما إذن يمكن أن نطلق عليه وصف جنازة وأيهما يمكن أن نسميه مظاهرة؟! الجنازة كانت في التحرير. بلا شك.. إذ أن جمعة الصمت الرهيب التي خرجت للمطالبة بالغاء الطوارئ ووقف المحاكمات العسكرية وتحديد جدولاً زمنياً لنقل السلطة. ران عليها الصمت فعلا. ولم تفلح أي محاولات إعلامية للإيحاء بنجاحها. ليس هذا فقط.. فالمشاركة الهزيلة بها بمثابة رسالة لا تخطئها العين لمن يهمه الأمر. أصحاب الأجندات المبهمة والصبية المنقادون لممارسة أقصي أنواع العربدة والشغب والعنف. كالثيران الهائجة. بعيداً عن الغياب المتعمد للتحرير. فإن ذلك لا يعني بالضرورة عدم مشروعية المطالب المرفوعة في يوم "الصمت الرهيب".. أؤكد ذلك حتي لا يحدث اللبس علي القارئ البسيط. أما ما حدث في كوبري القبة. وأعني تشييع جنازة خالد عبد الناصر. فقد كان هو المظاهرة.. حيث رفعت صور عبد الناصر إلي جانب ابنه خالد. وكتبت شعارات دالة من نوعية: "سلم علي أبيك".. وكان الصمت في كوبري القبة هادراً بحق وحقيق. وراقيا ويتناسب مع جلال المناسبة والظرف التاريخي الذي تمر به البلاد. نحن مبدعون بلا أدني شك في إقامة الجنازات.. وغارقون حتي إخمص القدمين في مستنقع الفشل عند استقبال كل جديد. حتي لو كانت ثورة وليدة. ستغير وجه الحياة في مصر.