في كل تغيير أو تعديل وزاري في العقود الأخيرة. يشكو رئيس الوزراء المكلف بالتشكيل. أو رئيس الوزراء القائم بالتعديل. من ضيق الدائرة المتاحة أمامه لاختيار الوزراء الجدد. وكثرة الاعتذارات من جانب المرشحين للحقائب الوزارية المختلفة. الظاهرة بدأت في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك. فقد ابتدع قاعدة غير معمول بها في أي دولة في العالم. ولا في مصر نفسها قبله. وهي أن من تولي منصباً وزارياً وانتهت مهمته. يخرج تماما من دائرة الاختيار في أي حكومة بعد ذلك. أي لا يجوز توزيره مرة أخري. وكان ان أصبحنا الدولة الوحيدة في العالم التي تعمل حكوماتها بمبدأ "وزير لمرة واحدة". المبدأ في حد ذاته له جوانبه الإيجابية. هو يضمن عدم احتكار مجموعة ضيقة من الأسماء والشخصيات للمناصب الوزارية بتكرار توليها وحجبها عن غيرها الذين قد يكونون أكثر كفاءة. هو يدفع المكلفين بإجراء التشكيلات أو التعديلات الوزارية إلي التنقيب عن وجوه وكفاءات جديدة وتصعيدها إلي هذه المناصب. المبدأ إذن. مطلوب لتجديد دماء العمل الحكومي وتحسين أدائه. وضرب فكرة تكوين "طبقة بيروقراطية" تستأثر بكل شيء. وتحجب الرؤية عن كل ما عداها. وربما كان لهذا المبدأ. في ذلك العهد بالذات. ما يسوغه. ففي ظل رئيس جمهورية ثابت. تتوالي فترات رئاسته بلا سقف وهو رأس السلطة التنفيذية. من المهم أن تكون الحكومة متجددة حتي يتحقق التوازن في العمل التنفيذي ما بين الاستمرار والتغيير. لكن هذا المبدأ. في التطبيق العملي. كان أحد أسباب الشكوي من ضيق دائرة اختيار الوزراء. حيث لم تكن هناك بدائل جاهزة في كل الأوقات. ولا فرصة متسعة أمام المكلف بالتغيير أو القائم بالتعديل للتنقيب عن وجوه جديدة. ولا استعداد للمخاطرة بالتجريب في ظروف عامة قد لا تحتمل مبدأ التجربة والخطأ. وإذا استبعدنا فئة "المشتاقين" الذين يتهافتون علي المنصب الوزاري ويريدونه بأي ثمن. وفئة من يعرفون "من أين تُؤكل الكتف" ويريدون المنصب مغنماً. يصبح المنصب في صورته المجردة عبئاً ثقيلاً. ومسئولية باهظة يتهرب منها كثيرون. وربما ساهمت المتغيرات التي ضربت المجتمع في الفترة الأخيرة في تعقيد الموقف.. فالمسئول اليوم في أي منصب. وزيراً كان أم أقل أم أكثر. لم يعد مسئولاً فقط أمام رئيسه المباشر. أو أمام البرلمان الممثل للشعب. أو الصحافة والإعلام الممثلين للرأي العام. أو الأجهزة الرقابية التي تتابعه. لقد أصبح المسئول مكشوفاً أمام جهات أخري بلا حماية من أحد.. فمواقع التواصل الاجتماعي تتعقبه في الليل والنهار.. في نطاق مسئوليته وخارج نطاقها. وقد تظهر "سيديهات" أو تسجيلات في أي وقت تشوه صورته أو تجبره علي الاعتزال. وهذا يضيف ثمناً باهظاً لابد لأي مرشح للمنصب أن يتحسب له. ولذلك تكثر الاعتذارات. وفي ظل ضيق دائرة الاختيارات وكثرة الاعتذارات. يجد رئيس الوزراء المكلف أو القائم نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما.. إما الإبقاء علي وزراء كان يريد تغييرهم ولم يجد بدائل لهم. أو أن يختار من بين القليل المتاح له من الوجوه الجديدة التي قد لا تكون بالضرورة هي الأكفأ أو الأصلح. وهي معضلة لا تحلها إلا حياة سياسية وحزبية نشطة ومنفتحة. وقادرة علي افراز صفوف متوالية من العناصر المؤهلة لتولي إدارة الدولة في أي وقت.