صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي علي قرار يقضي بإنشاء آلية دولية لجمع معلومات وشهادات والإعداد لرفع دعاوي قضائية في المستقبل ضد المسئولين عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا علي مدي السنوات الست الماضية منذ اندلاع الثورة ضد بشار الأسد.. وحظي القرار بأغلبية كبيرة عكست رغبة المجتمع الدولي في محاسبة المسئولين عن المجازر والطرد الجماعي. وكشفت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية أن بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة ووزير الخارجية قرر عدم مشاركة إسرائيل في التصويت.. وتعجبت الصحيفة بشدة في افتتاحيتها التي جاءت تحت عنوان "نفاق دبلوماسي" من أن نتنياهو الذي يهاجم المجتمع الدولي ومؤسسات الأممالمتحدة لأنها لا تفعل شيئاً من أجل وقف المجزرة في سوريا وتركز فقط علي إسرائيل هو نفسه من طلب من وفد إسرائيل عدم اتخاذ موقف يتعلق بقرار لمحاسبة القتلة خارج حدود بلادهم. تساءلت الصحيفة: "كيف لنصير العدالة نتنياهو. الذي يتحدث كثيرا عن نفاق المجتمع الدولي. أن يتهرب من مناقشة المسئولية الجنائية للسفاحين؟!.. هل هذا الرجل الذي يحذر دائماً من محرقة ثانية لا تهمه معاناة السوريين الرهيبة أم أن هناك دوافع أخري لإخفاء الخزي من التصويت في الأممالمتحدة؟! وفي محاولة للبحث عن مبررات عدم مشاركة إسرائيل في التصويت علي القرار التاريخي والإنساني طرحت الصحيفة سببين أساسيين: * الأول: أن يضر التصويت الإسرائيلي بالعلاقات مع روسيا التي يحارب جيشها إلي جانب الأسد.. ويمنحه رئيسها دعماً دبلوماسياً هائلاً.. وعندما تكون رادارات بوتين وصواريخه المضادة للطائرات قادرة علي ملاحقة أية طائرة إسرائيلية في الشمال فليس من المفيد التشاجر مع روسيا. * الثاني: أن يأتي قرار الجمعية العامة بمثابة سابقة إجرائية تسهل اتخاذ قرارات مشابهة ضد إسرائيل في المستقبل.. وربما تؤدي إلي التحقيق مع مسئولين إسرائيليين ورفع دعاوي ضدهم.. وقد سبق أن حذر نتنياهو شخصيا من أن قانون مصادرة الأراضي الفلسطينية من أجل بناء بؤر استيطانية يمكن أن يجر قادة إسرائيل إلي محكمة العدل العليا في لاهاي التابعة للأمم المتحدة.. لذلك عندما أوصي الطاقم المسئول في وزارة الخارجية الإسرائيلية بالتصويت مع قرار الجمعية العامة ضد مجازر سوريا علي الرغم من هذه المخاوف "للتعبير عن موقف إسرائيل الأخلاقي والعادل" رفض نتنياهو توصيتهم. تقول "هاآرتس": في اللحظة الحاسمة قرر نتنياهو الوقوف إلي جانب الأسد والمؤيدين له من الإيرانيين واللبنانيين والروس وليس إلي جانب ضحاياهم.. والغريب أن أخلاق نتنياهو لا تستيقظ إلا عندما يعترض المجتمع الدولي علي المستوطنات الإسرائيلية في المناطق المحتلة.. عندها ينبري الرجل لتذكير الأممالمتحدة بالفظائع في سوريا.. لكن عندما تصبح المسئولية بين يديه فإنه يتصرف تماماً مثل السياسيين الآخرين الذين وقفوا متفرجين وصمتوا علي الجرائم التي ارتكبت في سوريا ضد الإنسانية دفاعاً عن مصالحهم. ثم اختتمت الصحيفة افتتاحيتها قائلة: "في المرة المقبلة.. عندما يهاجم نتنياهو نفاق الأممالمتحدة.. يجب عليه أن ينظر إلي نفسه في المرآة". إشارة: ألم يكن غريبا أن الذي قاد حرب "تحرير حلب" هو الرئيس الروسي بوتين.. والذي أعلن نهاية الحرب في حلب هو بوتين.. والذي رتب لمحادثات وقف إطلاق النار هو بوتين.. بينما اكتفي الأسد بإعلان استعداده للالتزام بما يتم الاتفاق عليه وإقراره؟! الحقيقة.. بوتين يحكم سوريا.. ويتحدث باسم السوريين.. هل هذا احتلال أم مشاركة؟!