الشيخ محمد حسين المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية وخطيب المسجد الأقصي المبارك من الشخصيات التي تنافح بشدة عن المقدسات الإسلامية في مدينة القدس وذلك عن طريق فتاواه الجريئة التي تبث في8 نفوس الفلسطيين الحماس والإصرار علي مقاومة العدو الصهيوني وفي ذات الوقت لا تأتي علي الهوي الإسرائيلي مما أدي إلي اعتقاله بعد أن تولي مسئولية الفتوي في الأراضي المحتلة خلفا للشيخ عكرمة صبري. "المساء" التقت الشيخ حسين علي هامش المؤتمر الذي نظمته دار الإفتاء المصرية منذ أيام وناقشت معه العديد من القضايا .. وهذا نص الحوار : * المسجد الأقصي يئن تحت وطأة الاحتلال البغيض .. فكيف حاله الآن ؟ ** مازال الصهاينة يواصلون انتهاكاتهم في حق المسجد المبارك بعمليات التهويد وتغيير المعالم الحضارية له وحفر الأنفاق أسفله التي تهدد بقاءه بحثا عن هيكلهم المزعوم .. ولكننا صامدون في التصدي لهم ونعاهد كل المسلمين أن نكون مرابضين للدفاع عنه في ظل غياب الدور العربي والإسلامي والصمت الدولي والانقسام الفلسطيني الذي فتح لإسرائيل الأبواب للمضي في مخططاتها الخبيثة وتحقيق أهدافها المشبوهة والتي لا تتفق مع الشرعية الدولية والثوابت التاريخية والقواعد الإنسانية .. فرغم أن الأوقاف في القدس هي المنوطة بإدارة شئون المسجد الأقصي إلا أن شرطة الاحتلال دائما ما تتعرض للمواطنين الفلسطينيين بالتنكيل والمضايقة وتتواجد بصفة مستمرة علي أبواب المسجد المبارك. * أقرت اليونسكو بأحقية المسلمين في المسجد الأقصي باعتباره تراثا إسلاميا فما دور المسلمين للحفاظ علي تراثهم من التشويه ومواجهة عبث العدو الصهيوني ؟. ** قرار اليونسكو الذي يؤكد علي إسلامية المسجد الأقصي أعاد الحق لأصحابه ويحمل في مضمونه أن سلطات الاحتلال ليس لها الحق في إدارة شئونه وهو ما يضعنا تحت مسئولية كبيرة بضرورة الدفاع عن هذا التراث العظيم ولكن بمساندة العالم أجمع بمؤسساته ومنظماته وحكوماته حتي يتم وقف عمليات التهويد التي تهدد القدس ومقدساتها الإسلامية. * وهل باستطاعة العرب وهم يعانون من حالة التشرذم والفرقة أن يواجهوا الأطماع الإسرائيلية في القدس ؟. ** بكل تأكيد لأنهم يملكون الموقع الجغرافي الاستراتيجي والثروات الطبيعية والعلاقات الرفيعة التي يجب أن يستغلوها للضغط علي الغرب لخدمة القضية الفلسطينية .. فبإمكان مليار ونصف المليار مسلم أن يحققوا نجاحات كبيرة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة تكون عاصمتها القدس الشريف. مواجهة الإسلاموفوبيا * قدمت بحثا لمؤتمر دار الإفتاء المصرية منذ أيام .. فماذا يتناول البحث ؟ ** البحث كان بعنوان كيفية مواجهة الإفتاء ظاهرة الخوف من الإسلام "الإسلاموفوبيا"" فالناظر إلي حال الأمة الإسلامية في العصر الحاضر. يجدُ فيها تطرفًا وغلوًّا من جهة. وتفريطًا وتساهلا من جهة أخري» فمواقف الناس تتباين في أهم القضايا وأبسطها. والمختلفون من ناحيتنا قد يكونون مسلمين يحملون أفكارًا أو اجتهاداتي مختلفةً. وقد يكونون مسلمين وغيرهم. سواء كانوا يعيشون في مجتمع واحد أم في مجتمعات مختلفة .. وإن وصم الإسلام بالإرهاب والتطرف فيه غلو. وينبع من حقد وبغض لهذا الدين الحنيف. وبعض المسلمين يساعدون علي تحقيق مآرب المتربصين بدينهم من خلال أعمالهم الفظَّة ومواقفهم المتعنتة التي تشوه الدين. وتعطي صورةً قاتمةً عنه. ومن ذلك ما بات يعرف لدي كثير من الأوساط. وبخاصة الثقافية والإعلامية والسياسية من ظاهرة "الإسلاموفوبيا" التي تعبر عن خوف من جبروت الإسلام وطغيانه. وهو من ذلك براء. * ما الأسباب التي أدت إلي انتشار الإسلاموفوبيا ؟. ** لا يمكن لأحد أن ينكر أن هناك صورةً غيرَ صحيحةي عن الدين الإسلامي لدي المخالفين في العقيدة. ولكنْ بالطبع. هناك أسباب أدَّت إلي خلق مثل هذه الصورة. أهمها أن هناك بعضَ المتحدثين باسم الدين يصوِّرونه علي أنه دين السيف والقوة. دون الأخذ في الاعتبار أن الإسلام دين سماحة ومحبة. الأمر الذي ترتب عليه هجوم شرس علي الإسلام. وانتهاك لحرمات الأنبياء والرسل. * وكيف يمكن مواجهة هذه الظاهرة ؟ ** هذا يتطلب تجديدًا في آليات الدعوة إلي الدين الصحيح وطرقها. وجهدًا كبيرًا من كل علماء الدين. ولكن مُقابل تصحيح هذه الصورة يجب فعل كل ما يمكن. شريطة عدم الخروج عن منهجية الدعوة بالحسني. والتوجيه إلي ما هو غير واقع من تعاليمَ وأسسي وقواعدَ ظن الجميعُ افتقارَ الإسلام لها. ولهذا وجب علي المسلمين في أرجاء المعمورة إحياءُ كل ما هو وارد في جوهر الدين. للتخلص من هذه النظرة المجحفة. والتي أنشأها أصحاب العقول الضيقة. وتتناول نصوص القرآن من غير معرفة دون النظر إلي القواعد الفقهية التي ترسيها هذه الألفاظ القرآنية. والتي تشتمل علي ضوابط اتباع لما هو جائز. ونهي لما هو محرم عند الله عز وجل. كذلك يجب علي جهات وهيئات عديدة تحمل مسؤوليةِ تصحيح صورة الإسلام لدي الناس. وتتفاوت درجات المسؤولية في تنفيذ هذه المهمة من فئة إلي أخري. ومن وسط إلي آخر. فسعيُ العلماءِ الحثيثُ نحو العمل من أجل تحسين صورة الإسلام وتصحيحها يعد واجبًا دينيًّا. وضرورةً ثقافيةً. فضلا عن كونه مطلبًا واقعيًّا تمليه مسؤوليةُ تبليغ حقائق الإسلام وتعاليمه إلي من يجهلها أو يعاند في معرفتها والاقتناع بها. فنحن أمة رسالة وشريعة. ولا ينبغي اليأس من تبليغها للآخرين. وتبيين حقيقتها للمنكرين والمتحاملين تصحيح صورة الإسلام * وكيف يمكن تصحيح صورة الإسلام في الخارج ؟. ** لتحقيق ذلك لا بدَّ أن يوضع في الاعتبار أن عملية تصحيح صورة الإسلام والرد علي الحملات الشرسة المغرضة ليست أمرًا هينًا وبسيطًا. يمكن أن يتم بطريقة عفوية وارتجالية بعيدًا عن القيام بعملية الرصد والاستقصاء وجمع المعلومات من جهة. وإدراك جميع الأبعاد والمتغيرات والتحديات من جهة أخري .. كما أن المرحلة الراهنة -في ظل عولمة كاسحة وهيمنة غربية كبيرة في مجال الإعلام وتدفق المعلومات- تتطلب توحيد الجهود والمبادرات لمواجهة حملات التشويه الإعلامي للإسلام وحضارته من خلال استثمار العلماء للنظام الإعلامي المعاصر للتعريف بالإسلام وتوضيح صورته. لا بد من وضع المناهج والوسائل التي من شأنها تحقيق الغايات المنشودة والأهداف المقصودة ومواجهة الآخر بمنطقه ومخاطبته بلغته واستخدام كل الأساليب والوسائل الكفيلة بالتأثير فيه وتوجيهه لتعديل نظرته إلي الإسلام وحضارته الإنسانية. * ما دور الإفتاء في التصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا ؟. ** للإفتاء دَور مهم وفاعل إذا أُحسن أداؤه في مواجهة ظاهرة الخوف من الإسلام في العالم. والتي تؤرق الناس. وبخاصة الأقليات المسلمة في البلاد الأجنبية. ومن أوجه الأدوار الحيوية التي يمكن أن يقوم بها الإفتاء علي هذا الصعيد ضرورة تصحيح صورة الإسلام لدي الآخر ومراعاة رجحان المصلحة علي المفسدة ضمن ضوابط التغيير المنشود وأهمية العلم والحكمة وتفهم الرأي المخالف لحاملي لواء التصحيح كما أن تصحيح صورة الإسلام لدي الآخر يستدعي القيام بتغيير مجتمعي يأخذ في الاعتبار التركيز علي صلاح نفس حامل معول التصحيح. إلي جانب توقع إصرار الآخر علي حاله. مما يستدعي العمل دون إحباط. ولا رضوخ لحال الفساد. فوضي الفتاوي * فوضي الفتاوي زادت عن حدها في الفترة الأخيرة فكيف يمكن مواجهة هذه الفوضي ؟ ** حتي لا تختلط الأمور والأوراق لا بدَّ من إعلان البراءة الحقيقية من الفتاوي السخيفة والمنحرفة عن جادة صواب الشرع وأدلته. أيًّا كان مصدر تلك الفتاوي. فكل فتوي تنطلق من المزاجية. وتتفلت من الضوابط المشروعة. وتتجاهل الأصول المقررة للفتوي. هي فتوي مرفوضة. ولا تعبر بحال من الأحوال عن موقف الشرع الحنيف وحكمه. سواء أصدرت عن شخص. أم هيئة. أم حزب. أم دولة. من عجم أم عرب. فهي مردودة علي أصحابها. ومشجوبة من كل مخلص صادق غيوري علي حرمة الدين وقداسته. ومن كل حريص علي تحري الحقيقة .. وما أكبرَ جرمَ المفتي الذي يتصدي للتركيز علي هوامش القضايا. ويتجاهلُ أمهات الأمور. والطامات الكبري التي تئن من ثقل عبئها الأمة. وتعاني من الاكتواء بنارها الإنسانية برمتها .. فالمزاجيون يريدون الفتوي مفصلةً علي مقاييسِ أهوائهم. وملونةً بأصباغ مذاهبهم. فيسخرون من الفتوي التي تحرم ما حرمه الشرع. ويستخفون بالتي تحل الحلال الذي جاء به الدين. إذا كان حرام الشرع وحلال الدين يتناقض مع ما ذهبوا إليه في الحل والتحريم. ومن ناحية أخري لا بدَّ من الإشارة إلي أن بعض أصحاب صرعات الفتاوي يتجاوزون الخطوط الحمراء حين يقبلون لأنفسهم أن يكونوا مادةً للاستخفاف والتندُّر. أو أبوابًا لتسريب الطعن إلي دينهم وقيمهم. فاتحين الأبواب علي مصاريعها للمتصيدين في المياه العكرة. غير آبهين بالضرر الذي يلحقونه بدينهم والطعن بأحكامه والهزء بأتباعه. والإساءة للدعوة إليه. ولو أن هؤلاء صدقوا دينهم لاتقوا الله في فتاويهم. * وكيف الخروج من هذا المأزق ؟ ** إذا وجد المفتي المؤهل دينيًّا. وعلميًّا. وشخصيًّا. وأتيح له المجال ليصدر فتواه المستنبطة من الدليل الشرعي الصحيح. وفق الضوابط الشرعية التي تشترط في الفتوي والمفتي. فإننا سنشهد انقلابًا جذريًّا في عالم الفتوي. يكون التركيز فيه علي مستجدات الأمور. وعلي قضايا الناس ومشكلاتهم. والموضوعات التي تثير اهتمامهم. دون الهبوط إلي درك الأمور وسفاسفها. وسينأي بالفتوي عن المجاذبات السياسية. وستحمي من المناكفات الحزبية والمذهبية. وستبرأ من الظهور بألوان الأطياف الحزبية. أو السياسية. أو المنفعية. وحينها تعود الثقة بالفتوي. وتصبح كما يرجي لها محط تقدير عامة الناس. واحترام خاصتهم واهتمامهم .. والمسؤولية لا تقع علي عاتق المفتي وحده. رغم أنه لن يكون بحال من الأحوال في منأي عن تحمل نصيبه في الأسباب التي آلت إلي ما آل إليه واقع الفتوي في مجالي النجاح أو الفشل. فهو ركن أساس. ولكن المجتمع بأنظمته وقوانينه وسياسته وجماعاته وأحزابه وأفراده يشاركون كلّى بسهمه في تحمل المسؤولية عن ذلك.