الغرقان يتعلق بقشاية.. ولأننا غرقنا في بحر الفرقة والضعف والهوان فإننا نتعلق فعلاً في قشاية لعلها تساعدنا علي النجاة.. والقشاية هي قرار منظمة الأممالمتحدة للثقافة والعلوم "اليونسكو" بضرورة الحفاظ علي التراث الثقافي الفلسطيني في مدينة القدسالشرقيةالمحتلة.. والذي يقضي بأن المسجد الأقصي ملك للمسلمين بما فيه حائط البراق وأن الحرم القدسي مكان لعبادة المسلمين بعدما صنفته "تراثا إسلاميا خالصا". ويطالب القرار اسرائيل باعتبارها سلطة احتلال بوقف الانتهاكات ضد المسجد الأقصي والعودة إلي الوضع التاريخي الذي كان قائماً قبل يونيو 1967م ويؤكد أن المسجد الأقصي موقع اسلامي مقدس.. وأن ساحة البراق وباب الرحمة وطريق باب المغاربة أجزاء لا تتجزأ منه.. وانه يجب علي اسرائيل أن تسمح لدائرة الأوقاف الاسلامية الأردنية بصيانتها. القرار بهذا الشكل لم يضف جديداً لأنه أقر واقعا تاريخيا ثابتا.. لكنه جاء في توقيت مهم جداً.. كي يذكر اسرائيل ويذكر القوي الكبري التي تدعمها.. بأن الحق الفلسطيني والعربي والاسلامي لن يضيع.. وان أصحاب الحق لم ييأسوا ومازالوا يتعلقون بالأمل رغم ان ميزان القوة لم يعد في صالحهم. وقد أثار القرار الذي قدمته 7 دول عربية في مقدمتها مصر وقطر غضب اسرائيل لاستخدامه اسم المسجد الأقصي والحرم القدسي للأماكن المقدسة في القدسالشرقية بدلاً من الاسم العبري الذي تطلقه اسرائيل علي نفس المكان وهو "جبل الهيكل" واستخدم اسم "حائط البراق" بدلاً من "حائط المبكي" ودعا سلطات الاحتلال إلي وقف عمليات التنقيب والاقتحام التي تقوم بها تحت المسجد الأقصي وحوله لهدمه وتخريبه.. واعتبرت الحكومة الاسرائيلية ان القرار "ينكر العلاقة التاريخية بين الشعب اليهودي وجبل الهيكل" وزعمت ان المديرة العامة لليونسكو "إيرينا بوكوفا" تعرضت لتهديدات بالقتل بسبب ابدائها تحفظات علي مشروع القرار العربي وان الدول العربية تتصرف بطرق بلطجية بغيضة مع بقية دول العالم ومع إدارة اليونسكو. وكانت اليونسكو قد أصدرت في ابريل الماضي قرارا يدين الاعتداءات والإجراءات الاسرائيلية غير القانونية ضد حرية العبادة ودخول المسلمين إلي المسجد الأقصي. ومعروف ان لإسرائيل مخططات معلنة لهدم المسجد الأقصي وإقامة ما يسمونه "هيكل سليمان" مكانه.. وتقوم بتنفيذ هذه المخططات علي مراحل تبدأ بالحفر في أساسات المسجد ثم السيطرة علي ساحته وتقسيمها بين المسلمين واليهود.. لكن صمود المرابطين من الشباب والنساء المسلمات في الأقصي يعرقل تنفيد هذه المخططات. وقد اعتبرت وسائل الإعلام الاسرائيلية قرار اليونسكو هزيمة دبلوماسية قاسية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي كان يتباهي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتحسن وضع اسرائيل الدولي.. وان العالم ضجر من المشكلة الفلسطينية وان قوة اسرائيل العسكرية والاقتصادية تجذب نحوها الدول العربية المحافظة التي تتخوف مثلها من ايران ومن الاسلام الراديكالي.. مؤكداً ان الأغلبية التلقائية التي تدعم الفلسطينيين في الأممالمتحدة ستتلاشي وان اسرائيل حصلت علي اذن عام بمواصلة الاحتلال والاستيطان.. وفي امكان الفلسطينيين أن يذهبوا إلي الجحيم. وقالت صحيفة "ها آرتس" في افتتاحيتها انه لمزيد من الإهانة أجري مجلس الأمن في اليوم التالي لتصويت اليونسكو نقاشاً بشأن المستوطنات وقاطعت اسرائيل الجلسة كي لا تسمع الحقيقة العارية وهي ان المستوطنات تدمر فرص التسوية وتؤدي إلي الدولة الواحدة.. وكان نتنياهو يسخر من الدبلوماسيين المحترفين قائلاً انه ليس هناك حاجة لهم طالما هو موجود.. واليوم اتضح عدم وجود غطاء لهذه الغطرسة.. فقد انهارت نظرية نتنياهو وأصبح مكشوفاً أمام المجتمع الدولي الذي يعارض سياسته في الضم.. ولولا الدعم الأمريكي لاتخذت خطوات أكثر حدة ضده. في الحقيقة لا يمثل قرار اليونسكو نقلة نوعية مهمة لكنه يشبه القشة التي دخلت في عيون نتنياهو فأوجعته.. ومن أجل ذلك يتعلق بها العرب المشرفون علي الغرق.