عندما عرض منذ سنوات فيلم "هي فوضي" للمخرج العالمي يوسف شاهين وبطولة الراحل المبدع خالد صالح أثار وقتها ضجة كبري لما قدمه من صورة كان مسكوتاً عنها حول إمبراطورية أمين الشرطة الفاسد الطاغية الذي يستغل منصبه لتحقيق أهدافه الشخصية فيهدد كل من يقابله ولا يتورع عن تلفيق التهم للأبرياء أو التحرش بالنساء وغير ذلك من التجاوزات التي جعلت من "حاتم" أيقونة للفساد والطغيان لدرجة أن مقولة خالد صالح الشهيرة في الفيلم "اللي مالوش خير في حاتم مالوش خير في مصر" صارت تتخذ مثلا وقولا مأثورا لكل من يريد أن يخضع غيره لسلطانه وأن يقدم له الولاء. ربما النظام الأمني في مصر وقتها كان يتغاضي عما قد ترتكبه هذه الفئة من تجاوزات في حق الشعب لأنه كان يقال "مافيش حاتم بيتحاكم".. ولكن بعد ثورة 25 يناير تغير حال الجهاز الأمني وثار الشعب علي النظام بأكمله وثأر لكرامته التي كانت تهدر تحت أقدام حاتم.. إلي أن جاءت ثورة 30 يونيو لتعيد للشرطة هيبتها مرة أخري خاصة بعد ما قدمه الشرفاء منهم من تضحيات في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع علي أثر الهجمات والاعتصامات والمظاهرات التي كان يقوم بها الإخوان.. فأصبحت العلاقة بين المواطن والشرطة قائمة علي الاحترام طالما اتبعت الأخيرة القانون واحترمت حقوق المواطنين واتسمت بالشفافية والعدل في تصرفاتها وتم تطبيق القانون علي الجميع. ولكن المشهد الذي شاهدناه مؤخراً بتجمهر المئات من أهالي منطقة الدرب الأحمر أمام مديرية أمن القاهرة علي خلفية قتل أمين شرطة لسائق "توك توك" من هذه المنطقة بسبب الخلاف علي مبلغ 50 جنيها ذكرنا بمشهد النهاية في فيلم "هي فوضي" عندما انتفض أهالي شبرا ضد حاتم وطالبوا بالقصاص منه وتحرير محاضر ضده لتنتهي دولة حاتم بانتحاره أمام الجميع.. إلا أن المشهد الواقعي لأهالي الدرب الأحمر لا يقارن بما فعله حاتم في فيلم يوسف شاهين حيث إن ما قام به أمين الشرطة يعد حادثاً فردياً لا يمكن تطبيقه علي كل من يعمل في هذا الجهاز الهام الذي يقف علي خط النار. نحن لا ننكر أن هناك بعض التجاوزات والانتهاكات من قبل أمناء الشرطة إلا أنه لا يمكننا تعميم الجرم.. فكل قطاع يحتوي علي الجيد والسييء. الطيب والشرير لكن دائماً النقطة السوداء تظهر واضحة في الثوب الأبيض.. لذلك لا يجب أن يركز الاعلام علي سلبيات أمناء الشرطة ويستعرض أيضاً ما يقدمونه من خدمات وتضحيات لتحقيق الأمن حتي لا يقال عن الدولة بأكملها "هي فوضي" وليست دولة أمناء الشرطة فقط لأن المزايدة علي العلاقة بين المواطن والشرطة لا تصب في صالح البلد وتعميم الفساد خطأ فادح.. فكما قال اللواء نبيل عبدالفتاح مساعد وزير الداخلية إن "دولة حاتم انتهت من زمان ومينفعش حاتم يرجع تاني" فلو أدرك كل أمين شرطة ومواطن هذه المقولة لتحسنت العلاقة بينهما كثيراً. نحن جميعاً في انتظار التشريعات الجديدة التي ستتخذها الحكومة لتحجيم سلطة أمناء الشرط وإعادة الثقة مرة أخري بينهم وبين المواطنين.. فمن يخطيء يجب محاسبته ومن يصيب له ألف شكر.