أقدر كثيراً كل من يكتب.. أياً كان ما يكتبه.. أري القدرة علي ترجمة الخاطر والاحتفاء به وتسجيله. طقساً لا يجيده كثيرون. وبالطبع تختلف مراتب الكتابة والكتاب. وبالطبع أيضاً أنحاز لكل ما هو بحراوي و"دمنهوري" علي وجه الخصوص. فأي كتاب لبلدياتي لديه أكثر من 50 في المائة من أسباب الإجادة. غير أن نوال شلباية لم تكن بحاجة إلي هذه الميزة. فهي كاتبة لديها مميزات تغنيها عن "الاتكاء" علي أسباب أخري. قضيت يوماً أو بعض يوم. أقرأ لنوال شلباية مجموعتها القصصية "فواصل زجاجية ملونة" الصادرة عن سلسلة "كتابة" للهيئة العامة لقصور الثقافة والحق يقتضي أن أقول إن قراءة هذا اللون من الكتابة ليس من عاداتي. فأنا تربيت علي كل ما هو "مباشر". كما أنني لست من مواليد زمن "القصة القصيرة جداً" وعزوفي عنها هو منتهي التقدير لها فأنا لا أقرأ ما لا أعرف ولا أفتي فيه أيضاً وأتضاءل بالطبع أمامه وربما أخاف منه. أما لماذا قرأت لنوال شلباية. فلأنها بنت دمنهور. ولأنها تلميذة نجيبة لراهب الأدب البحراوي الأستاذ رضا إمام. وهما سببان كافيان للتجربة. وأعترف أن في تلك التجربة ما فاق السفر.. أكثر من "سبع فوائد" فقلم نوال شلباية قد تغار منه. وتستفزك تلك الغيرة. فتقرأ لها المزيد. في محاولة لاكتشاف مواطن قد تنتصر فيها لغتك عليها. فلا تجد. وإن وجدت فلأنها من صنع لك هذا الفخ لأنها هنا كانت تعول علي أشياء أخري.. كانت لها مفاتنها التي تتدلي فوق رأسك وربما بداخلها. كلجين من رقيق الضوء. "فواصل زجاجية ملونة".. تعكس هذه الصورة الذهنية التي تواجهك من الغلاف. فتتجول بين عدد من المرايا. في مرات كثيرة ستلتقي نفسك.. ستواجه بعض أحلامك أو انتكاساتك.. ستري نفسك في ذات المشهد.. مر عليك أو يجول بخيالاتك دون أن تدري متي.. ستجد نفسك "ومضة" أو لقطة. لكنك لن تكون "نوال". أشهد أن ما استفزني أكثر علي المضي في فواصلك يا "نوال" كانت أمي.. كل ما فيه رائحة الأم يغريني.. كل شيء عن الأم أخوضه دون وعي وبكامل وعيي. وقد كانت الأم حاضرة من أول سطر إلي المنتهي.. من الإهداء المغموس "أمومة". وحوارك الأول الذي ينتصر للأم علي الأب في مباراة للحب تتدللين فيها. وبعدها. وفي "تداعيات ظل العصي" حين كدت أن أبكي. أستجدي معك أمي كي لا ترحل. وإلا سأرحل أنا الآخر. لكنها رحلت.. لم يعد يجدي أن أقتصد في طعامي أو أعطيها كل ما أدخر. "فواصل" نوال شلباية القصيرة استراحات تصلح جداً لأيام المطر تلك.. اقرأها علي طريقة "المسكنات".. واحدة قبل النوم ومثلها بعد النوم.. هي رغم تحفظها مشاغبة. لكنه شغب ابنتك الذي تحبه.. وتبدو العناوين أحياناً أكثر تألقاً من المتون. فهي أستاذة في العناوين.. كلها رائعة.. هي تلميذة جيدة لرضا إمام. لكن الأستاذ يجب أن يمارس "أستاذيته" أكثر. لتخرج نوال من "الأسر". ** ما قبل الصباح: أقصي ما يتمناه الكاتب.. أن تجد نفسك أو بعضاً منك فيما تقرأ.