سنظل ندور طويلاً في حلقة مفرغة بسبب اشكالية بسيطة يمكن حلها بسهولة لو خلصت النوايا بين كل الأطراف فالجدل محتدم ولا يتوقف حول اخلاء الميادين من المتظاهرين أولاً أم تحقيق مطالب الثوار ومن ورائهم الشعب والمتمثلة في الحرية والعدالة الاجتماعية والشفافية والإصلاح السياسي. المشكلة أنه لا يوجد خلاف جوهري بين الأئتلافات والأحزاب من ناحية ولا الحكومة والمجلس العسكري من ناحية أخري علي شرعية هذه المطالب ومن ثم السعي إلي تنفيذها لكن الخلاف فقط في التوقيت وآلية التنفيذ وهو أمر يمكن التفاوض بشأنه. ونحن نحاول الإجابة علي السؤال الصعب: ماذا أولاً.. فض الاعتصامات أم تنفيذ روشتة الثوار للاصلاح يجب التأكيد علي أننا نرتكب جميعاً خطأ جسيماً عندما نخلط الأوراق ونضع متظاهري التحرير وغيره من الميادين في سلة واحدة ويجب علينا التفرقة بين ثلاثة فصائل أساسية: الأول.. الثوار الذين ضحوا بأرواحهم وجعلوا من أنفسهم جسراً تعبر عليه البلاد سنوات الظلم والذل والمعاناة فكلنا عشنا تلك المرحلة بما تحمله من مآسي وكلنا طاله بشكل أو بآخر فساد الطغمة الحاكمة. الفصيل الثاني.. فئة المنتفعين الذين قفزوا علي الثورة لتحقيق المكاسب والترويج لأنفسهم في ميدان التحرير خاصة محترفي السياسة الذين اعتادوا أن يقدموا القرابين لأحد الألهة ولم يعد هناك غير ساكني الميدان بعد سقوط جميع آلهة النظام السابق بثورة 25 يناير. أما الفصيل الثالث.. وهو الأخطر فيضم البلطجية والخارجين علي القانون وسواء كانوا من فلول النظام السابق كما يحلوا للبعض أن يسميهم أو غير ذلك فهذا لا يعنينا كثيراً ولا يجب التوقف أمامه.. الذي يعنينا أن هؤلاء مستعدون لبيع كل شيء وأي شيء طالما أن هناك مشترين.. وهنا يمكن أن تجد الفلول والعملاء وغيرهم ممن يهددون مصالح الوطن العليا سواء بوعي وإدراك أو جهلاً بأبعاد المخطط الذي يستهدف المنطقة كلها بدفعها إلي مناخ من التوتر والصراعات المذهبية والطائفية والحروب الأهلية لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي أعلن عنه الرئيس الامريكي السابق جورج دبليو بوش وكانت العراق اللبنة الأولي فيه.. ويقوم المشروع علي تقسيم العالم العربي إلي دويلات صغيرة بما يصب في النهاية في صالح إسرائيل صاحبة المشروع الآخر الذي لا يخفي علي أحد "من النيل إلي الفرات". الإجابة علي السؤال الصعب "ماذا قبل ماذا" تستدعي أن نقف أولاً علي أبعاد المخطط والقراءة المتأنية لسيناريو الأعداء فالقضية ليست في استمرار المتظاهرين أو اخلائهم ولكن في مدي تأثير وقدرة المندسين بينهم علي توجيه تلك المظاهرات إلي مناطق وعرة لا تشكل خطراً علي الثورة فقط بل تهدد أمن وسلامة واستقرار الوطن. الأجندات جاهزة والمخطط معد سلفاً وينتظر الفرصة المناسبة للتنفيذ وقد جاءت علي طبق من ذهب في ظل حالة الفوضي والانفلات والفراغ الأمني المتواصل.