تعاني الفتوي من الفوضي العارمة التي اجتاحت مصر والوطن العربي نظرا لتعدد الفضائيات والمذاهب وأصبح كل يدلي برأيه الديني حتي ولو كان من غير المتخصصين ما أسفر عن حدوث نوع من البلبلة في المجتمع المسلم .. من هنا فإن مبادرة دار الإفتاء المصرية لإنشاء مجلس أعلي للإفتاء يضم كوكبة من أكثر من 30 دولة عربية وإسلامية خطوة علي الطريق الصحيح للقضاء علي الفوضي التي تعم الساحة الإفتائية. أكد علماء الأزهر أن اختيار مصر لرئاسة المجلس عودة للريادة الإفتائية ودليل علي وسطية الأزهر ومكانته وتصدره للمؤسسات الدينية الإسلامية. حول دور المجلس الأعلي للإفتاء وما له وما عليه استعرضنا هذه الآراء مع العلماء وفي مقدمتهم فضيلة الدكتور شوقي علام - مفتي الجمهورية ورئيس المجلس الأعلي للإفتاء في العالم- الذي أكد أن إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم يمثل عودة للريادة الإفتائية لمصر وإجماعا عالمياً للدور الكبير الذي تقوم به دار الإفتاء المصرية في الداخل والخارج في تقديم خطاب إفتائي رصين متصل بالأصل ومرتبط بالعصر. وكان فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام- مفتي الجمهورية - قد عقد اجتماعًا مغلقًا مع 25 مفتيًا من مختلف أنحاء العالم. لمناقشة وإقرار اللائحة التنفيذية للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم. أضاف فضيلته أن اللائحة تضم مهام المجلس الأعلي للأمانة. ومهمته وضع السياسات والاستراتيجيات العامة. واعتماد خطط العمل. والإشراف علي تحقيق أهداف الأمانة. علي أن يتولي إدارة الأمانة العامة لدور الإفتاء أمين عام لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد. ويُعين بقرار من فضيلة مفتي الديار المصرية بعد العرض علي المجلس الأعلي للأمانة. وقال فضيلته إن اللائحة التي تم إقرارها بإجماع المفتين قد حددت المهام التي تهدف الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء علي تحقيقها وقد جاء علي رأسها: التنسيق بين دور الإفتاء لبناء منظومة إفتائية وسطية علمية منهجية. تعمل علي بناء استراتيجيات مشتركة بين دور وهيئات الإفتاء الأعضاء لطرح خطاب إفتائي علمي متصل بالأصل ومرتبط بالعصر» لمواجهة التطرف في الفتوي .. كما تهدف كذلك إلي التبادل المستمر للخبرات بين دور وهيئات الإفتاء أعضاء الأمانة. وتقديم الاستشارات الإفتائية لمؤسسات الإفتاء والمفتين حول العالم. وأيضًا تقديم الدعم العلمي للدول والأقليات الإسلامية لإنشاء دور إفتاء محلية في هذه الدول. وأشار مفتي الجمهورية إلي أنه ضمن مهام الأمانة أيضًا وضع معايير لوظيفة الإفتاء وكيفية إصدار الفتاوي مما يسهم في ضبط الإفتاء. وتعزيز التعاون المثمر بين دور وهيئات الإفتاء في العالم بالوسائل الممكنة. وبناء الكفاءات الإفتائية وتأهيلهم من خلال تراكم للخبرات المتنوعة للدول الأعضاء. وحول انضمام أعضاء جدد إلي الأمانة أكد د. إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية أن اللائحة نصَّت علي أحقية كل دار أو هيئة إفتائية أو بحثية طلب الانضمام إلي الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء. ويصدر قرار الانضمام من رئيس المجلس الأعلي للأمانة بعد موافقة أغلبية أعضائه. كما يحق للأقليات المسلمة أن تطلب الانضمام بعضو أو أكثر من الحاصلين علي تأهيل علمي مناسب يقبله المجلس الأعلي للأمانة وفق ضوابط محددة. ولفت إلي أن المجلس الأعلي للأمانة سوف يجتمع مرة واحدة كل عام. ويجوز لرئيس المجلس دعوة المجلس للانعقاد كلما دعا الأمر إلي ذلك. أو بطلب خطي مقدم من ثلث الأعضاء لرئيس المجلس. علي أن يكون الاجتماع صحيحًا بحضور الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس. لا لتسييس الفتاوي د. محمد أبو ليلة أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر يري أن تجمع الفقهاء من المفتيين في مصر وتبادل الآراء والمستجدات والوضع الراهن الذي يهدد العالم من إرهاب وتطرف لهو شيء طيب يشكر القائمون عليه والمعدون له .. كما أن اختيار مصر رئيسا لمجلس الإفتاء العالمي شيء طبيعي كونها رائدة في المجال الإسلامي والتشريعي وغيرهما وعلماء العالم كله تقريبا درسوا في مصر وتعلموا من علمائها في الأزهر الشريف. لكن يخشي د. أبو ليلة أنه يتم تسييس الفتاوي في بعض القضايا فهذا مرفوض وسوف يسيء لعلماء المجلس الإفتائي الذين يجب أن يشاركوا بفتاواهم الجماعية التي تحتاج رأيا موحدا مثل التي تخص الإرهاب واعتقاد طوائف معينة مثل داعش وغيره أنهم أوصياء علي الدين وهذا دور العلماء أن يكشفوا زيفهم وأباطيلهم بالحجة والبرهان من الكتاب والسنة .. كذلك الوضع بالنسبة لأنصاف المثقفين الذين يخرجون بفتاوي تثير البلبلة بين الناس خاصة في الأمور المستقرة التي بيّنها كتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم. وحول رأيه في هل يمكن توحيد الفتوي علي الأقل علي المستوي العربي قال د. أبو ليلة إنه لا يمكن توحيد الفتوي عربيا أو عالميا في كل القضايا حيث تختلف التشريعات من بلد لآخر فلكل شعب خصوصياته والفتوي الفقهية تنبع من حال المجتمع الذي يعيش فيه الفقيه لذلك ليس من حق المجلس العالمي للإفتاء الذي تحتضنه مصر أن يمنع عالما من الإفتاء ليس عضوا فيه كل ما هنالك أنه سوف يواجهه بالحجة والبرهان. وعندما يكون هناك رأي جماعي سوف يقتنع الشخص الذي أفتي بخطئه ويتراجع عن فتواه. حذر من تسييس الفتوي لأنها سوف تقلل من قيمة المجلس الجديد فالقضايا التي تشغل بال المسلمين كثيرة يحتاج الناس فيها رأيا شرعيا يستريحون إليه بدلا من التشتت وإحداث نوع من الفرقة سواء بين أفراد الأسرة الواحدة أو بين مجتمع مسلم وآخر. مرجعية الدعوة الإسلامية د. أحمد محمود كريمة أستاذ الفقة المقارن بجامعة الأزهر يقول من المعروف أن العالم الإسلامي ارتضي مصر بأزهرها منذ 1100 عام تقريبا مرجعية في الدعوة الإسلامية ومنها الإفتاء الشرعي لما يتميز به الأزهر الشريف من التنوع العلمي والتعدد الفكري حيث إنه يقبل اجتهادات المدارس العلمية والمذاهب الفقهية المعتمدة دون انحياز لواحد علي حساب الآخر مع الاعتزاز بالثقافة السنية المعبرة عن صحيح الإسلام ووسطيته واعتداله. وفي وسط الطوفان الهادر الجارف وظهور المتطفلين علي موائد الإفتاء الشرعي من جماعات وفرق وفصائل لا توجد فيها دراسات فقهية أصيلة وتضم أخلاطا من شهادات مدنية لا علاقة لها بالأعمال الفقهية وساعدهم في ذلك قوي مغرضة هدفها جمع أموال حتي ولو كانت ضد مبادئ الدين .. وفي المقابل ظهرت نزعات لا تقل خطورة عن هؤلاء بدعوي عدم الوصاية الفكرية ولا المرجعية الشرعية للمسلمين فرادي ومؤسسات. أكد د. كريمة أنه لكي ينجح المجلس الإفتائي الجديد عليه تشكيل أعضاء يراعون فيه المرجعيات للمذاهب الإسلامية المعتمدة لتكون له العالمية في مقدمتها المذهب السني من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة لأن دولا كثيرة تسود فيها هذه المذاهب دون غيرها وهذا من قبيل مراعاة أحوال الناس. ويمثل الفقه الإباضي بسلطنة عمان وكذلك الفقه الشيعي الجعفري في إيران والعراق ولبنان والشيعي الزيدي باليمن .. ولعل هذا يساعد علي التقريب بين المسلمين ويعالج التعصب المذهبي المولد للطائفة المذهبية .. أما اختيار مصر للرئاسة فهذا نابع من كونها بها منارة الأزهر بوسطيته واحتضانه لهذه المذاهب العلمية.