وصفها كثيرون بأنها أكبر ظاهرة فساد بقرار جمهوري في مصر.. تلك هي "الصناديق الخاصة" وقد تكررت المطالبات من جانب البعض في عهد النظام البائد لفتح هذا الملف ومعرفة أين تذهب أموال الصناديق الخاصة التي تجاوز عددها العشرة آلاف صندوق تقريباً حسبما ورد في بعض الاحصائيات لكن هذه الدعوات التي جاءت علي استحياء لم تلق قبولاً في ظل غياب تام للرقابة علي هذه الصناديق.مؤخراً أصدرت وزارةالمالية منشوراً يحظر علي الوحدات المحلية بجميع المحافظات إنشاء صناديق أو فتح حسابات خاصة تقوم علي استغلال أملاك الدولة وثرواتها الطبيعية مثل المحاجر والأسواق والشواطيء وخلافه. المساء "الاقتصادي" استطلعت آراء عدد من خبراء الاقتصاد حول كيفية الاستفادة من هذه الصناديق في ظل العهد الجديد والتحديات الاقتصادية الراهنة. يقول د. حمدي عبدالعظيم الخبير الاقتصادي ومدير أكاديمية السادات للعلوم الإدارية الأسبق انه لا غني للهيئات والوزارات والمحافظات علي وجه التحديد عن الصناديق الخاصة.. نظراً لما لها من دور في تنمية موارد المحافظة وتقديم الخدمات ومواجهة الاحتياجات التي تتطلب تدخلاً سريعاً خاصة في حالة عدم وجود اعتمادات لها في الميزانية العامة للدولة.. ومن ثم زاد الاهتمام بها باعتبارها مصدراً هاماً للتمويل الذاتي. كشف عبدالعظيم عن بعض مصادر ايرادات تلك الصناديق موضحاً انه يتم جمعها من خلال تحصيل رسوم بعض الخدمات التي تقدم للمواطنين مثل الدمغات ورسوم دخول المستشفيات وتراخيص السيارات والمخالفات المرورية وتذاكر "كارتة" المرور علي بعض الطرق وغير ذلك.. ويتم جمع تلك الأموال ووضعها في البنوك كودائع تصرف بعد ذلك علي الخدمات المختلفة. اللافت للنظر انه علي الرغم من اعتراف عبدالعظيم بوقوع تجاوزات كثيرة بشأن التصرف في أموال الصناديق الخاصة كاستغلالها في الإنفاق علي الحفلات والمجاملات الخاصة وتعيين أبناء كبار المحاسيب وأصحاب المصالح والدعاية والإعلانات المكلفة في وسائل الإعلام المختلفة بهدف كسب رضاء المسئولين وصرف مكافآت غير مستحقة ومبالغ فيها لبعض العاملين.. إلا انه لا يفضل فكرة إلغاء أو ضم تلك الصناديق أو دمجها في كيان واحد.. مفضلاً رفع النسبة التي تحصل عليها وزارة المالية من تلك الصناديق إلي 50% تقريباً من جملة ايراداتها بدلاً من نسبة ال 5% التي تحصل عليها كل عام.. فضلا عن ترشيد الإنفاق بها ومحاسبة المسئولين عنها بحيث تقتصر علي الأساسيات والضروريات بعيداً عن الكماليات التي لا جدوي منها.. علي ان يتولي هذا الدور الجهاز المركزي للمحاسبات. أشار عبدالعظيم إلي ان التقارير التي أعلنت بأن أموال هذه الصناديق بلغت 1.3 تريليون جنيه ليست دقيقة بالقدر الكافي.. لكنه أكد ان الأموال الحقيقية الموجودة داخل تلك الصناديق والتي قدرتها بعض التقارير بأكثر من 500 مليار جنيه قادرة علي سد عجز الموازنة العامة للدولة وتحويلها إلي فائض.. ومن ثم زيادة معدل الاستثمار ورفع معدل التشغيل وزيادة نسبة النمو والقضاء علي التضخم ورفع الأسعار. دعا الدكتور حامد أبوجمرة المستشار السابق بالأمم المتحدة إلي ضرورة التخلص من القانون الذي سمح بإنشاء الصناديق الخاصة بهياكلها الحالية.. مشيراً إلي ان كونها "خاصة" جعلها مدعاة للفساد وسوء التصرف وسرقة أموال الشعب. قال: أقرب نموذج علي إهدار أموال الصناديق الخاصة هي تلك التابعة للجامعات ويظهر ذلك في حصول رئيس الجامعة علي رواتب من تلك الصناديق تتجاوز في بعض الأحيان 300 ألف جنيه.. في الوقت الذي لا يتجاوز دخل زميل له في نفس الجامعة مبلغ 4 آلاف جنيه.. وهو الأمر الذي يتسبب في وجود حالة من عدم الارتياح والشعور بالتمييز نظراً لغياب العدالة الاجتماعية. طالب أبوجمرة بضرورة توحيد الصناديق الخاصة والتي تجاوز عددها نحو 10 آلاف صندوقاً وبلغت اجمالي ميزانياتها نحو 1.3 تريليون جنيه تقريباً أي بما يزيد علي اجمالي الناتج المحلي ويساوي 14 ضعف عجز الموازنة.. وذلك وفقاً لبعض الإحصائيات.. كما طالب بدمجها معاً في كيان واحد.. لتصب في النهاية داخل خزائن الدولة التابعة لوزارة المالية وتحت رقابة وإشراف الجهاز المركزي للمحاسبات. من ناحية أخري اعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور مختار الشريف وجود تلك الصناديق خارج إطار الموازنة العامة للدولة خطأ قانونياً لا يمكن السكوت عليه.. نظراً لما يمثله من انتهاك صارخ لاستنزاف أموال الشعب في ظل غياب الرقابة المالية المنضبطة والحازمة عليه. هذا الأمر دعا الشريف إلي المطالبة بضرورة تطبيق مبدأ وحدة الموازنة عملاً بالقواعد والأطر القانونية.. علي اعتبار ان تلك الصناديق تعد حالياً موازنة أخري موازية للموازنة العامة للدولة فضلا عن أنها تعمل في الخفاء بعيداً عن الشكل الرسمي موضحاً ان هذا الإجراء من شأنه تغيير الخارطة المالية في مصر بشكل ايجابي.. ومن ثم تحسين المستوي المعيشي للمواطن المصري والاقتصاد العام.