وزير التجارة والصناعة في أي عهد منذ أكثر من 50 سنة وحتي الآن لم يكن لديه رؤية لمدي احتياجات مصر من الصناعات البسيطة التي كنا ننتجها بكفاءة قبل هذا التاريخ وكنا نصدرها إلي الخارج مجانا للدول العربية التي كانت في احتياج إليها. أذكر مرة أنني كنت ضمن وفد صحفي زار دولة البحرين أيام أميرها الراحل الشيخ عيسي بن سلمان رحمه الله.. وكان رجلا بسيطا للغاية ومتواضعا إلي حد كبير.. قال عند استقباله لنا إننا لا ننسي فضل مصر علينا وعلي كثير من الدول العربية.. لقد كانت ترسل إلينا المدرسين علي حسابها ليعلموا أبناءنا.. بل كانت ترسل إلينا الكراسات والكشاكيل والطباشير والأقلام الرصاص والممحاة "الأستيكة" ومازلنا نذكر لها هذا الفضل رغم مرور هذه السنوات. الآن تراجعنا حتي في الأشياء والصناعات الصغيرة التي كنا نجيدها منذ أكثر من 50 أو 60 سنة علي الأقل.. أهملنا هذه الصناعات وأصبحنا نستوردها من الخارج وتكلفنا مليارات الجنيهات مما يشكل عبئا كبيرا علي ميزانية الدولة. نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة "اليوم السابع" أن إجمالي واردات مصر من الطباشير والممحاة "الأستيكة" وأقلام الرصاص وأدوات الرسم من يناير وحتي نهاية يونيو الماضي بلغ 37 مليونا و300 ألف جنيه. منها نحو 12 مليون جنيه لأقلام الرصاص.. والأستيكة بمبلغ نحو 14 مليون جنيه والطباشير ما يقرب من نصف مليون جنيه وأدوات الرسم 11 مليون جنيه!! ليس هذا فقط ما نستورده من بضائع وكأننا شعب اكتفي بالضروريات ويبحث عما يسليه ويجعله شعبا مرفها.. فنحن نستورد منتجات للكيف من خمور ومشروبات روحية وبيرة وتبغ الشيشة والمعسل بما يفوق 110 ملايين جنيه خلال ستة أشهر.. ولأن السلاح أصبح متاحا لأي إنسان يحصل عليه بأية وسيلة ليقتل بعضنا بعضا فلا مانع من أن نستورد مطاوي "قرن الغزال" ب 108 آلاف من الجنيهات لنزيد الطين بلة!! وقس علي ذلك أشياء أخري نستوردها من البهارات وحتي ملح الطعام والجمبري والكابوريا والكافيار وأشباهها ولعب الأطفال والتفاح ودبابيس الشعر والملاقط وغيرها. واردات مصر خلال الأشهر الستة الأولي من هذا العام بلغت 271 مليار جنيه بينما صادراتنا لم تزد علي 84 مليار جنيه. وهذا يمثل عجزا في الميزانية 187 مليار جنيه.. بينما 90 في المائة مما نستورده يمكن الاستغناء عنه. هل عقمت مصر "أم الدنيا" عن أن يكون من أبنائها المختصين بالاقتصاد والصناعة "رجل رشيد" أو "رجال راشدون" ينبهون المسئولين إلي أننا يمكن أن نستعيد الماضي.. وننتج الطباشير والأستيكة وأقلام الرصاص وأدوات الرسم ونقيم لها المصانع لنستغني عن استيرادها ونساهم في تشغيل الأيدي العاملة. لماذا نستورد المشروبات الروحية وتبغ الشيشة والمعسل ومطاوي قرن الغزال وملح الطعام والجمبري والكابوريا ودبابيس الشعر؟! أليس عندنا إنتاج مشابه لكثير من هذه السلع؟! لماذا نعين وزراء للصناعة والتجارة ضمن المجموعة الاقتصادية ولم نلمس لأحد منهم فكرة جيدة حتي الآن لإنشاء مصانع لا تكلفنا الكثير وتنتج ما يكفينا ونصدر الباقي بعد أن غزت أسواقنا الأشياء البسيطة حتي فوانيس رمضان المستوردة؟! متي نخرج من التفكير المغلق وننفتح علي العالم من خلال التصدير الذي يكفينا شر عجز الموازنة ويجعل اقتصاد مصر في الحضيض؟! هل نسمع تصريحا للمهندس طارق قابيل وزير التجارة والصناعة الذي لم يتحدث منذ تعيينه حتي الآن يعطينا خلاله خريطة عن المشروعات الصغيرة التي أشرنا إليها وبمنع استيراد الهوامش وقرن الغزال؟!