أروع ما في ثورة 25 يناير أنها كانت سلمية.. وحافظت علي سلميتها في مواجهة آلة البطش العاتية للدولة البوليسية.. وحافظت أيضا علي سلميتها طوال الشهور الماضية التي تعددت فيها المليونيات.. وأعطت بذلك صورة ناصعة لنضال الشعب المصري وهو يتظاهر ويعتصم ويضغط ويصر علي مطالبه المشروعة. ولأنها ثورة سلمية فقد نالت احترام العالم.. ونالت احترام وثقة قواتنا المسلحة فانحازت لها ودافعت عنها وحافظت عليها. لذلك كان غريباً أن يظهر فصيل جديد ينسب نفسه لهذه الثورة البيضاء ويتبني منهج العنف والقتل وسفك الدماء بعد ستة أشهر من المسيرة السلمية للثورة بدعوي القصاص من رجال الشرطة الذين قتلوا أو أصابوا المتظاهرين. هذا الفصيل الجديد الدخيل أطلق علي نفسه اسم "كتائب شهداء الثورة" ونشر بيانا خطيراً علي بوابة ثورة 25 يناير علي الإنترنت يثير الفزع والرعب ويعيدنا إلي أجواء الإرهاب.. عندما كان الرصاص يتطاير في الشوارع والدماء تسيل جهاراً نهاراً بدعاوي الثأر والقصاص. وبدلاً من أن يضغط هذا الفصيل الجديد كما يفعل الثوار في ميدان التحرير من أجل سرعة محاكمة المتهمين بقتل وإصابة المتظاهرين راح يدعو صراحة إلي استعمال العنف من أجل أرواح الشهداء وقصاصاً للمصابين.. وهو يذكرنا بمن رفعوا قميص عثمان رضي الله عنه من أجل القصاص بينما هم في الحقيقة يسعون لإثارة فتنة كبري في المجتمع. يقول البيان الذي نشرته "كتائب شهداء الثورة": "نحن نتقدم لرفع الحرج عن المجلس العسكري ورئيس الوزراء ليتركوا الشعب يقتص بنفسه لأن دماء شهدائنا أغلي من كل الخونة وأغلي من أن يقال عنا إننا متطرفون أو محبون للعنف.. فلن يذهب دمهم سدي.. ولن يتنازل الشعب المصري عن قطرة دم واحدة سالت من شهيد مصري سواء كان مسلما أو مسيحيا.. ومن هنا نعلن أنه تم بحمد الله تكوين الخلايا الأولي من كتائب شهداء ثورة مصر.. وهي كتائب مسلحة مهامها الرئيسية ما يلي: * تجميع بيانات كاملة عن أسماء وعناوين الشرطة سواء من الضباط أو أمناء الشرطة أو المجندين أو المخبرين الذين تلوثت أيديهم بدم شهداء مصر أو استخدموا العنف المفرط الذي أدي إلي وقوع اصابات خطيرة في صفوف الثوار وتتبعهم وتصفيتهم جسديا.. والتمثيل بجثثهم لجعلهم عبرة لزملائهم جزاء لما أتت أيديهم ومازالوا علي عهدهم.. وسوف نجعل أفراحهم بالإفراج عن زملائهم مآتم يذكرونها طوال حياتهم. * تجميع بيانات عن البلطجية ورجال الأعمال وعناصر الحزب الوطني السابق وكل من تلوثت أيديهم بدم الشهداء أو مولوا أو جندوا آخرين لإلحاق الأذي بشباب الثورة أو نهبوا من ثروات البلد ولم يردوا ما سلبوه.. وأيضا تصفيتهم جسديا والتمثيل بجثثهم وجعلهم عبرة للباقين منهم ولكل من تسول له نفسه عمل الفساد بأرض مصر. * تشكيل مجموعات انتحارية مهمتها النيل بأي وسيلة من رموز الفساد البائد سواء الذين مازالوا طلقاء أو تحت الحراسة مهما بلغت قوة الحراسة أو بين جدران السجون.. فسوف ننال منهم بعون الله.. سوف يتم تصوير عمليات التمثيل بالخونة وعرضها علي موقع "يوتيوب" ونرجو من ضعاف القلوب عدم مشاهدة هذه الأفلام لما ستحتويه علي مناظر صعبة.. ونعتذر لشعبنا عن استخدامنا هذا الأسلوب.. ولكننا اضطررنا إليه لتنظيف بلدنا من هؤلاء الخونة.. والتذكير بأن دماءهم ليست أطهر ولا أغلي من دماء شهدائنا. انتهي البيان ولكن بدأ الخوف الحقيقي علي الثورة وعلي مصر.. فهذه الكتائب التي تنسب نفسها إلي الشهداء ستكون سببا في احداث فتنة لا يعلم مداها إلا الله.. وها هم أعلنوا عن خططهم.. فسوف يلغون الدولة تماماً.. وسيقومون هم بدور البوليس لجمع البيانات ودور القضاء للحكم علي المتهمين وتنفيذ الأحكام بالإعدام والتمثيل بالجثث.. لرجال الشرطة ورجال الأعمال ورجال الحزب الوطني وكل من يشتبه في أنه بلطجي. لو أردنا التوصيف الصحيح لهذا البيان الفتنة فليس له من وصف غير أنه مؤامرةتريد أن تأخذ مصر إلي نفق مظلم لتصبح دولة فاشلة مثل الصومال والعراق.. وهذا مالا يجب أن تسكت عليه مصر بكل أحزابها وتياراتها وأطيافها. يجب ألا تنتظر حتي تسقط مصر في قبضة الإرهاب.. وأن يكون دم الشهداء مطية لبعض المغامرين والمتآمرين والإرهابيين يتخذونه شماعة يعلقون عليها جرائمهم وأباطيلهم ودعاواهم المغرضة. مصر دولة راسخة.. دولة المؤسسات.. والقصاص من القتلة والمجرمين واجب علي القضاء المصري.. وعلينا أن نترك له الفرصة كاملة ليمارس دوره في تجميع الأدلة والتحقيق والمحاكمة بكل شفافية وكل عدل.. حتي تظل رأس مصر مرفوعة في السماء.