يوم الخميس الماضي "20 أغسطس" عرض المركز الثقافي الياباني بعض الأفلام التسجيلية والرسوم التي تعيد إلي الذاكرة بعضاً مما جري في هذا الشهر عام 1945 وذلك بمناسبة الذكري السبعين لإلقاء أول قنبلة نووية علي مدينة هيروشيما وناجازاكي اليابانيين. جري هذا التفجير الذري الأول يوم 6 أغسطس وقبل نهاية الحرب العالمية الثانية بأيام وذلك حين رفضت اليابان تنفيذ إعلان مؤتمر بوتسدام الذي ينص علي إستسلام اليابان استسلاماً كاملاً ودون أي شروط. مات من اليابانيين ما يقرب من 140 ألف شخص في مدينة هيروشيما وما يقرب من 80 ألفاً في مدينة نجازاكي. ومات ما يقرب من نصف هذا الرقم في نفس اليوم الذي تمت فيه التفجيرات متأثرين بالجروح والتسمم الإشعاعي. هذا الحدث التاريخي المروع قام به السلاح الجوي الأمريكي محدثاً دوياً عالمياً هائلاً انعكست آثاره علي شعوب العالم حيث أعلنت أمريكا وقتئذ امتلاكها لقنبلة نووية تحدث دماراً شاملاً وتخلف أشلاءً وضحايا بمئات الآلاف فضلاً عن التدمير والخراب الذي شهدته المدينتان. وسجل الحدث الرهيب عشرات الشرائط التسجيلية والأفلام الروائية التي اعتمد بعضها علي روايات من تبقوا علي قيد الحياة ومن أصبح يطلق عليهم اليابانية كلمة "Nakabushi". من أشهر هذه الأفلام فيلم ياباني أمريكي مشترك من اخراج المخرج الياباني الأشهر أكيرا كيروساوا "1910/1998" بعنوان "رابسودي في أغسطس" ويحكي قصة امرأة عجوز من هؤلاء الذين يطلق عليهم "Nakabushi" أي من بقوا علي قيد الحياة وكانت شاهدا علي الانفجار الذري الرهيب وقد فقدت زوجها علي أثره في نجازاكي. وذات صيف يأتي لزيارة السيدة العجوز أحفادها الأربعة وتأتيها في نفس التوقيت أخبار عن شقيقها المفقود الذي لم تسمع عنه منذ فترة طويلة. وتعرف أنه يعيش في هاواي وأنه يتطلع إلي زيارتها قبل أن يموت وأنه له ابن ولد وعاش في أمريكا يؤدي دوره الممثل ريتشارد جير. الفيلم يلقي الضوء علي ردود الأفعال المتباينة لأجيال مختلفة ازاء التفجير النووي الذي جري علي هيروشيما ونجازاكي وربما كان الفيلم محاولة لتقديم وجهات نظر من أكثر من زاوية فأمريكا كانت ومازالت تحاول تبرير ما حدث قبل أيام من نهاية الحرب بسبب صلف العسكرية اليابانية ورفضها الاستسلام فضلاً عن محاولات الإدانة التي تم توجيهها عبر عدد من الأفلام الأمريكية التي صورت سلوك الجيش الياباني وبالذات ما جري أثناء الهجوم علي بيرل هاربور والغارة الجوية المباغتة التي نفذتها البحرية اليابانية في 7 ديسمبر عام 1941 علي الأسطول الأمريكي في المحيط الهادي والتي غيرت مسار الحرب وأجبرت الولاياتالمتحدة علي الدخول فيها ومنها الفيلم الأشهر الأمريكي "بيرل هاربور" الذي أخرجه مايكل باي عام 2001 ولعب بطولته بن افليك واليك بولدوين والممثلة كيت بيكينسيل مع عدد من النجوم الأمريكيين وحصل علي عدد من جوائز الأوسكار. ومن أشهر الأعمال التي حققت شهرة عالمية فور عرضه الفيلم الفرنسي "هيروشيما حبي" "1959" الذي أخرجه المخرج آلان رينيه عن سيناريو للأديبة الفرنسية مرجريت دورا.. ولعبت بطولته الممثلة إيمانويل فيرا والممثل الياباني "أجيي أوكادا" ويتناول الفيلم موضوع الذكري والنسيان. وشحنات المشاعر المرتبطة بالحالتين وذلك من خلال جدل حواري ممتد يعتمد علي حيلة الرجوع إلي الوراء "فلاش باك" كأسلوب لاستدعاء ذكريات ما جري وعرض المأساة من زاويتي نظر أوروبية وأخري يابانية. والفيلم حسب رأي بعض النقاد يمثل خلاصة وجوهر انتاج الموجة الجديدة الفرنسية في السينما والمعروف أن المخرج أحد روادها وأهم صناع الأفلام التي تمثلها.. ويعتبر الفيلم علامة بارزة في الانتاج الذي ينتمي إلي هذه الموجة وفي تطور السينما الفرنسية عموماً. أيضاً فيلم "الأمطار السوداء" "Black Rain" للمخرج الياباني شوهي إيمامورا "1926/2006" عن رواية للكاتب إيبوس ماسيوجي وتدور قصته حول تداعيات إلقاء القنبلة الذرية علي هيروشيما قبل انتهاء الحرب مباشرة والكدمات والجراح العميقة وشحنات العذاب والألم والكوارث النفسية التي تلت الانفجار الذي يحدث لأول مرة في التاريخ ويترك آلاف الضحايا في المدينة المنكوبة. و"المطر الأسود" اشارة إلي الأمطار التي تلت الانفجار مُشعة بالاشعاعات النووية السامة.. وقد حصل الفيلم علي جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الدولي عام 1989 بالإضافة إلي عشرات الجوائز الدولية الأخري. وقامت السينما التسجيلية بعمل عشرات الأفلام التي توثق للحدث ومن أشهرها "القنبلة الأخيرة" و"نار الجحيم.. رحلة إلي هيروشيما" و"قصة مدينتين" "1946" وفيلم "ضوء أبيض مطر أسود". وآخر هذه الأعمال فيلم تسجيلي سويسري من انتاج 2015 بعنوان "عندما تسقط الشمس من السماء" والذي أخرجته مخرجة سويسرية من أصل ياباني وقامت بانتاجه أيضاً وهي آيا دومنج Aya Domenig وذلك بهدف كتابة تاريخ حياة جدها الطبيب الذي كان شاهد عيان علي ما جري ولكنه رفض تماماً أن يحكي عن تجربته. فلجأت الحفيدة إلي ممرضة كانت ترافقه وقتئذ وقد عاصرت معه الحدث. هذا الفيلم عرض منذ أيام في مهرجان لوكارفو السينمائي الدولي في 9 أغسطس 2015 في ذكري إلقاء القنبلة.. كثير من الشرائط الدعائية انتجها اليابانيون وكذلك الأمريكيون في محاولة لتكريس وجهة النظر التي يتبناها الجانبان ولكن الشهادة الأعظم أن "هيروشيما" التي دمرت أصبحت حالياً من أجمل وأرقي المدن اليابانية بعد اعادة بنائها علي أيدي اليابانيين. وتعداد سكانها يصل إلي مليون وثلث المليون تقريباً.. ولكن تبقي ذكريات الألم والغضب عن جريمة بشعة أنهت الحرب ولم تمح ذكرياتها.