* خطورة الغش في الامتحانات لا تقف فقط عند حدود إفساد عملية القياس وتلويث النتائج وتغييب العدالة بين الطلاب الممتحنين وعدم تحقيق أهداف التقويم في مجال التحصيل الدراسي بل تتعداها إلي جوانب حياتية أخري أشد خطورة تكمن في تعود أولئك الطلبة الغشاشين علي انتهاج عمليات الغش سلوكاً في حياتهم العملية بعد التخرج. وهو ما يجعل المحصلة النهائية للتعلم ليس اكتساب المعرفة والمهارات والقدرات بقدر ما يكون وسيلة للتدريب علي الغش والتزييف والقبول بنتائجه باعتبارها حقاً مكتسباً دونما تأنيب من ضمير.. مما يعني فساد الفطرة الغضة لهؤلاء الفتية بدلاً من تحصينها ضد نوازع الشر. واكتساب ما ليس لها بحق. التسريب الممنهج لامتحانات الثانوية العامة والأزهرية يقدم دليلاً قاطعاً علي انحدار الأخلاق وفشل المنظومة الحالية للامتحانات وعقم المناهج التي تسمح بالغش.. وأتعجب كيف تصر "التربية والتعليم" في القرن الواحد والعشرين علي انتهاج طرق بدائية لقياس قدرات الطلاب ومهاراتهم.. ولماذا لا تستبدلها بطرق إلكترونية حديثة تحول دون الغش. كما حدث مثلاً في اختبارات مسابقة الثلاثين ألف معلم التي جرت بنزاهة وشفافية ودقة. وإن شابها غش وتدليس مارسه كثير من المتسابقين بتقديم بيانات غير حقيقية لكثير من المتقدمين إليها. مما يعني أن الغش حالة مجتمعية يستوي أمامها الكبار والصغار.. فكيف ندعي التدين بينما الغش مستشر كالسرطان حولنا.. كيف يتنادي مجتمعنا بالفضيلة بينما ينفق ما يزيد علي 10 مليارات جنيه علي الدجل والشعوذة وأضعافها علي التدخين والمخدرات. وأضعافها علي أجهزة المحمول والاتصالات.. أليس السفه في الإنفاق ضرباً من الفساد؟! ما يحدث من تسريب ممنهج لامتحانات المدارس والجامعات وزيادة وقائع الغش نتاج طبيعي لنظام تعليمي بدائي لا هدف له إلا الكم وتخريج أعداد هائلة سنوياً تضاف إلي طابور طويل من البطالة والإحباط.. تعليم يحرض علي الحفظ والاستظهار ويعادي العقل والإبداع وحق الاختلاف.. تعليم يخاطب الذاكرة ويخاصم جوهر العلم وفلسفته.. تعليم يشجع الدروس الخصوصية وعندما حاول التغلب عليها لجأ لتأمينها وتقنينها داخل فصول المدارس لحساب قطاع أوسع من العاملين بالتربية والتعليم دون أن يقضي علي أسبابها الجذرية. آخر طرائف الغش الالكتروني ظهور صفحات متخصصة علي الفيس بوك مثل "غشاشون فدائيون" و"بلوتو" و"شاومينج".. والأخيرة ظهرت عام 2013 ويتابعها 214 ألفاً أغلبهم من طلاب الثانوية العامة وقد تمكنت من تطوير أحد البرمجيات في شكل تطبيق الكتروني يربط الطلاب في اللجان بمواقع "انستجرام" و"تويتر" و"فيس بوك" في الوقت نفسه ويمكن للطلاب من خلالها تصوير ورقة الامتحانات وإرسالها لأدمن الصحفة وتداول الإجابات.. يقول ناشرها إنه أسس صفحته رداً علي ما سماه "فساد منظومة التعليم" بدءاً من المرحلة الابتدائية وأنه قرر السفر إلي الصين لنشر فكرته ومحاربة الفساد بالفساد. وقد اشترط لوقف تسريب الامتحانات الاعتراف بحقوق المعلم وإلغاء مكتب التنسيق وتطوير المناهج الرقمية وتفعيل امتحانات القدرات..!! الامتحانات باتت مهزلة.. وتسريباتها كوميديا سوداء آن لها أن تتوقف.. ادرسوا تجارب فنلندا وسنغافورة وكوريا الجنوبية لاستلهام روح النجاح وما حققته الدول الثلاث من معجزات تعليمية واقتصادية تستحق المحاكاة حتي نخرج من النفق المظلم للثانوية العامة ومكتب التنسيق.. فليس مقبولاً أن نرهن مستقبل أولادنا بامتحان لا تتجاوز مدته 3 ساعات ويمكن أن يتم تسريبه فينجح من لا يستحق ويحصد الدرجات من لم يتعب أو يجتهد أو حتي يفهم!!