الوقائع التي شهدتها وتشهدها دور التربية والتعليم تثير الأسي والحزن علي الحالة التي وصلت اليها. تراكمات وحوادث عنف. واعتداءات لم نألفها في المدارس والمعاهد ومختلف المؤسسات التعليمية. وفي كل يوم تتجدد الكوارث وكلنا في غفلة والتجاهل سيد الموقف. طالب يضرب مدرساً فلا مشكلة. تلميذ يعتدي علي زميله بآلة حادة. حوادث فردية الي آخر تلك السلسلة ولن يكون آخرها ما جري في مدرسة مصر الجديدة أو ذلك التلميذ الذي انفصلت رأسه عن جسده بسبب رعونة القيادة وتسابق سائقين في منطقة امبابة دون تقدير لأرواح هؤلاء الاطفال الأبرياء!! انها بلاشك مأساة تكشف عيوبا وهموما ثقيلة وتطرح تساؤلات تتردد في الأصداء أن تجد اجابة أو حتي تحركات ايجابية لمواجهة ظاهرة العنف والانفلات الذي لم نشهد له مثيلا. وفي مقدمة هذه التساؤلات ما هو الخلل الذي اصاب مختلف دور التعليم. وهل هانت علينا انفسنا أن نري هذه الكوارث ونغض الطرف عنها أو نتستر عليها؟ وإلي متي يستمر هذا التجاهل ودفن الرءوس في الرمال وترديد حجج واهية منها انها حوادث فردية. فورة شباب. طيش اطفال الي غير تلك المبررات؟ ثم هل تقع المسئولية علي المدرسة بأساتذتها أم أن الاسرة تشارك في هذه الجوانب السلبية التي استشرت ولم تسلم منها أي مرحلة تعليمية. ولا يلوح في الأفق اي بادرة تؤكد أن لدينا نية لمواجهتها بصورة تجمع بين الاسرة والمدرسة؟ حقيقة هناك اجراءات إدارية يجري اتخاذها لكن ذلك وحده لايكفي لأن المهمة الاساسية غائبة سواء في محيط المدرسة أو الاسرة. الإهمال والتجاهل والقاء المسئولية علي أي طرف من الطرفين. المدارس تعاني سوء الإدارة ولا يتم أي تحرك إلا بعد كارثة كما حدث في مدرسة فاقوس بمحافظة الشرقية تلميذ لقي مصرعه أثناء تناول شربة ماء من كولدير المدرسة بسبب ماس كهربائي دون التفات الي فحص وتدقيق لحماية التلاميذ. تلك المهمة الغائبة. المدرسة تحافظ علي سمعتها "واكفي علي الخبر ماجور" هو اللغة السائدة. وكذلك الاسرة تدلل الأبناء بلا حساب. واحيانا يتم تركهم مع الشغالة أو ربما الشغال. بلا رقابة. وتلك من أخطر المشاكل وبداية الانحراف. وناهيك عن الافلام والقنوات الاباحية وما ادراك ما عالم الانترنت. الأب والأم في منتهي السعادة لأن الابن أو الأبنة يجلس أمام النت بالساعات دون أن يسأله احد أو يفاجئه اثناء جلوسه امام النت أو يبحث مشاكله مع الخادمة أو الخادم اثناء الغياب عن المنزل. كما أن المدرس والمعلمة قد فقدا دورهما بين جدران المدرسة فقد رأينا مدرسة تعرضت للضرب بالشبشب وللأسف لم تنصف المدرسة وتركنا الساحة تموج بالانفلات المعلمون مشغولون بالدروس الخصوصية والمشرفون غاب دورهم وأولياء الأمور اهملوا الأبناء ولم يهتموا بمراقبتهم وكم رأينا من اتصالات عبر الشات تتم بالزواج عقب المكالمات بين الأبناء وآخرين في غياب دور الأسرة ولم تستيقظ الا بعد فوات الأوان. حقيقة المسئولية مشتركة بين المدرسة والاسرة وما لم يتم تدارك دور كل منهما فإن الصورة سوف تزداد سوءا.. ولابد من عودة دور المدرس الأب والقدوة والنموذج لتلاميذه وكذلك ضرورة نهوض الاسرة بأعبائها في تربية الأبناء والاهتمام بهم في المنزل وخارجه نتعرف علي همومهم ونكتسب صداقتهم ونحوطهم بالحنان والرعاية. ننمي شخصياتهم ونستمع لكل ارائهم بسعة صدر وصبر لايعرف الضيق أو الضجر. وان نكون قدوة لهم في الالتزام بالقيم والابتعاد عن السلوكيات الخاطئة وليدرك الوالدان أن البراعم الصغيرة في منتهي الذكاء. فإذا وجد الأب يتحري الصدق ويصلي فإن الابن يقلده. اما إذا تركه بلا رعاية أو تخلي عن دوره فإن العنف والانفلات يتهدد الأبناء. اعتقد أنه قد حان الوقت لوقفة حازمة مع النفس سواء داخل دور التربية والتعليم أو في محيط الاسرة. هذه الاجيال كلنا مسئولون عن النهوض بها واتخاذ افضل الوسائل التربوية لأنهم قادة المستقبل وهذه المهمة ليست صعبة إذا خلصت النوايا وتضافرت الجهود ولم يشغلنا التكالب علي جمع المال سواء بالسفر للخارج أو الانهماك في البحث عنه بالداخل. وليتذكر كل أب وكل أم ذلك الماضي القريب فقد كان الأب هو الأخ والصديق وكان المدرس هو المرشد والقدوة الطيبة. ولاتزال ماثلة في الذهن تلك الصور الرائعة في الزمن الجميل الذي شهدته اجيال متعاقبة.. فقد كان المدرس حين يدخل الفصل يداعبنا بأفضل الاساليب المهذبة وينفذ الي القلوب بكلمات تبعث علي الانتعاش والاستعداد للدرس وتلقي التوجيهات ولازال مشهد ذلك المربي حيا في الذاكرة فقد كان نموذجا في ملابسه ونظافته ويقدم لابنائه النموذج الطيب ويلفت الأنظار الي السلبيات بعبارات لاتخدش الحياء ويأخذ بيد تلاميذه نحو النهضة والأسلوب الأمثل وكان حديثه الشيق يمتد الي الحجرة الخاصة بتلاميذه توعية في غير سخرية لترتيبها ونظافتها حتي كيفية وضع الحذاء كانت مثار اهتمامه الحب والحنان هو الرباط بين الأستاذ والتلميذ ولذلك كان للمدرس في النفس هيبة ومكانة.. نتباكي عليها هذه الأيام. هذه المهمة الغائبة في المنزل أو المدرسة تتطلب الالتفات بأقصي جهد للقيام بتلك المسئولية التي سوف يسألنا الله عنها فبر الأبناء يأتي أولا من بر الأباء بهم.. كفانا اهمالا وتسيبا وتجاهلاً. نريد عودة الي مسئوليتنا.. الصورة اصبحت لاتحتمل الانتظار فماذا بعدما جري بين التلاميذ في مدرسة اعدادية. ليتنا نتدارك الأمر قبل البكاء أكثر علي اللبن الذي سكبناه بأيدينا!!