الصحابة رضي الله عنهم هم نتاج مدرسة أستاذها ومعلمها هو رسول الله صلي الله عليه وسلم وهي أرقي مدرسة في التربية والجهاد وفهم الإسلام وإدراك مقاصد الشرع الشريف. فقد رباهم المصطفي صلوات الله عليه علي عينه. وغرس في قلوبهم بيده الشريفة من الأسرار الشريفة والمعاني اللطيفة ما جعل لهم مصداقية وخصوصية ومرجعية في الفهم والتطبيق لدي عموم المسلمين. والتيسير من المعاني التي غرسها النبي صلي الله عليه وسلم ضمن ما غرس في عقول ونفوس الصحب الكرام رضي الله عنهم. وقد أوردنا عددًا من الأحاديث القولية التي تناولت توجيه الصحابة للعمل بمبدأ التيسير. واليوم ومن خلال استعراض بعض المواقف التربوية العملية التي جمعت بين المعلم الأكبر صلي الله عليه وسلم وبين صحبه الكرام. سنري كيف غرس النبيُّ صلي الله عليه وسلم هذا المعني في نفوس أصحابه الكرام حتي صار التيسير لهم سجية وطبعا. دخل النبي صلي الله عليه وسلم المسجد يوما فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال: ما هذا الحبل؟ قالوا: حبل لزينب أي بنت جحش - فإذا فترت تعلقت به. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لا. حلُّوه. ليصلِّ أحدكم نشاطه "أي علي قدر نشاطه" فإذا فتر فليقعد. ودخل صلي الله عليه وسلم يوما علي عائشة رضي الله عنها وعندها امرأة وكانت تذكر من عبادتها الشيء الكثير. وأنها لا تنام الليل فردها الحبيب صلي الله عليه وسلم إلي التوسط والاعتدل بقوله "مه عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتي تملوا". ولما بعث النبي صلي الله عليه وسلم معاذا وأبا موسي إلي اليمن قال لهما: "يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا". وطلب النبي صلي الله عليه وسلم من عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن يلتقط له حصي. فلتقط له حصي من حصيات الخذف. فقال النبي صلي الله عليه وسلم "نعم بأمثال هؤلاء أي لا تتكلف حصي من أماكن بعيدة - وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"". وقد فهم بعض الصحابة أن الرخص والتيسيرات أمور تخصه صلي الله عليه وسلم وحده فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وعليه فلا حاجة له في الإكثار من التعبد والتشديد علي نفسه. ومن ثم فقد ألزموا أنفسهم أمورًا من قبيل التشديد علي النفس وحملها علي عزائم الأمور وشاق التكاليف. وقد بين النبي صلي الله عليه وسلم لهم خطأ فهمهم وضعف استنباطهم بقوله "من رغب عن سنتي فليس مني".