اليوم يمر 38 عاماً علي رحيل الفنان الكبير المطرب والممثل عبد الحليم حافظ الذي يمكن ان نطلق عليه. دون مبالغة قيثارة الشباب وأيقونة الحب. ارتبط فن عبد الحليم حافظ في مجال الأغنية بالحب.. سواء الحب بمعناه المعروف الذي يصور العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة أو بحب الوطن.. فأبدع وتألق بأغانيه التي مازالت حية يرددها الشباب ويطربون لألحانها الشجية ويتفاعلون مع كلماتها المعبرة سواء أكانت باللغة العامية أو بالفصحي. وكما أبدع العندليب في مجال "الأغنية" تألق عبد الحليم حافظ الممثل علي شاشة السينما وامتع الجماهير بأفلامه الاجتماعية والعاطفية التي أسرت قلوب وأبصار محبي السينما.. وعبرت تعبيراً صادقاً عن مضمونها وهدفها من خلال هذا الفنان المبدع الذي يندر تكراره. "المساء" تقدم هذا الملف تقديراً وعرفاناً لفنان أخلص لفنه وأعطي لوطنه ومجتمعه الكثير والكثير من الفن الراقي الذي مازلنا نستمتع به ونتفاعل معه بكل جوارحنا ومشاعرنا. اسمه الحقيقي "عبدالحليم علي اسماعيل شبانه".. ولد بقرية الحلوات مركز ههيا.. بمحافظة الشرقية في 21 يونيه عام 1929 مر بعدة مآس.. رحلت أمه يوم مولده.. وبعد أيام قليلة توفي والده وهو في الثلاثين.. وهكذا عاش يتيما.. كان الابن الرابع.. وأكبر اخوته.. "اسماعيل شبانة" المطرب والمدرس للموسيقي بوزارة التربية والتعليم.. والشقيق الثالث "محمد شبانة" والشقيقة الكبري "عليه".. رحم الله الجميع. انتقل مع اخوته بعد رحيل والده الي منزل خالهم متولي أحمد عماشة.. كان عبدالحليم منذ صغره حزينا دائم الانطواء علي نفسه.. التحق بعدما نضج قليلا في كتاب الشيخ أحمد.. ثم هرب بعد وقت قليل.. ولما بلغ الثامنة أصيب بكسر في ساقه.. وعندما كان في الحادية عشرة.. أي في نفس العام الذي حصل فيه علي الشهادة الابتدائية سقط من علي سور عال وأصيب في عاموده الفقري اصابة بالغة. لمس شقيقه اسماعيل ميله للغناء فألحقه بالمعهد العالي للموسيقي العربية ليدرس الموسيقي والعزف علي آلة "الأبوا".. وكان عمره 12 سنة.. غني أمام لجنة الاختبار في المعهد قصيدة علموه لمحمد عبدالوهاب.. أول من أحب من الفنانين.. التحق أثناء دراسته في هذا المعهد.. بمعهد آخر هو "المعهد العالي للموسيقي المسرحية". تخرج من المعهد الأول قسم آلات موسيقية وتلحين عام 1948 ومن دفعته: كمال الطويل وأحمد فؤاد حسن وفايدة كامل وعبدالعظيم عبدالحق وعلي اسماعيل. عمل عبدالحليم 4 سنوات.. بعد التخرج.. مدرسا للموسيقي في مدرسة البنات بطنطا.. ثم الزقازيق.. وأخيرا في القاهرة.. ثم عمل عازفا علي آلة الأبوا في فرقة موسيقي الاذاعة التي كان يرأسها الموسيقار الراحل محمد حسن الشجاعي. تقدم للجنة اختبار الأصوات الجديدة بالاذاعة.. وكان بين أعضائها حافظ عبدالوهاب الذي أحس بموهبته بعد نجاحه وأسماه عبدالحليم حافظ بدلا من شبانه.. أي منحه اسمه. عرف عبدالحليم طريقه الي الميكروفون بالصدفة عندما تغيبت احدي المطربات من تسجيل أغنية من ألحان كمال الطويل.. وكان هو أحد أعضاء الفرقة الموسيقية التي ستصاحبها.. فتسلل الي الميكروفون وسجل الأغنية بصوته.. فاكتشف الطويل انه أمام مطرب موهوب.. ولحن له أول أغنية في حياته وكانت بعنوان "لقاء" تأليف الشاعر صلاح عبدالصبور وذلك عام .1950 أول مرتب تقاضاه في حياته "15 جنيها".. وأكبر أجر حصل عليه من بطولة أفلامه "25 ألف جنيه".. وكان أول حفل عام غني فيه بمدينة الاسكندرية لكنه لم ينجح.. ولم ييأس. غني لأول مرة في حفل عام أقيم علي خشبة المسرح القومي بمنطقة الشاطبي بالاسكندرية.. ويومها لم يكن راضيا عن نفسه.. ولم يستقبله الجمهور باستحسان لدرجة ان مونولوجستا شعبيا معروفا كان يشترك في هذا الحفل.. هاجمه بسخرية واستهزاء.. مما اثار الفنانة "تحية كاريوكا" وكانت ضمن نجمات الحفل فقامت بالرد علي هذا المونولوجست ودافعت باحساس الفنان الصادق عن المطرب الصاعد عبدالحليم حافظ. وتحقق له أول نجاح في حفل عام أقيم بمناسبة العيد الثاني لثورة يوليو حيث غني "صافيني مرة" تأليف سمير محبوب وتلحين محمد الموجي.. وقد سبق للاذاعة أن رفضتها. في عام 1954 عاد الي الاسكندرية.. ونجح هذه المرة.. وبدأ ينتقل من نجاح الي آخر حتي أصبح أشهر مطرب في العالم العربي وشارك في معظم أعياده القومية.. وغني في أوروبا.. باريس ولندن عقب العدوان عام 1967 لجمع التبرعات.. وكان علي صلة وثيقة بعدد من رؤساء وملوك وأمراء الدول العربية الذين كانوا يستضيفونه في العديد من المناسبات. كان يبحث عن الكمال في كل شيء.. في الكلام.. في الألحان.. في الأداء.. وحتي في الجمهور. من أشهر أغانيه في سنواته الثلاث الأخيرة أغنية "قارئة الفنجان" عن شعر نزار قباني ولحن محمد الموجي.. وبذلك تكون أشهر أغانيه في البداية والنهاية من ألحان الموجي.. والمعروف ان أشهر أغانيه في البداية صافيني مرة للموجي. صاحبه طوال رحلته الغنائية الموسيقار أحمد فؤاد حسن مع الفرقة الماسية. مطرب صاحب قضية كان عبدالحليم يريد أن يطل علي العالم كمطرب صاحب قضية لا بالغناء للسد العالي والقنال والاشتراكية فحسب.. بل بأنه بعد هزيمة يونيه 1967 كان يرفض أن يقدم أي حفلة غنائية علي المسرح الا بعد ما يطلق قسمه المشهور: "احلف بسماها وترابها" واعدا بالتحرير.. فلما تحقق حلم التحرير بحرب 6 أكتوبر صار يقدم حفلاته الغنائية علي المسرح بأغنية: "عاش اللي قال الكلمة دي حكمه وفي الوقت المناسب" اشارة الي الرئيس الراحل محمد أنور السادات.