اجتاحت مفردة "الابتزاز" قاموس الخطاب السياسي المصري.. لم يعد هناك فريق بعيد عن استخدام هذه المفردة العجيبة.. هذا يتهم ذاك بأنه يبتزه.. وثالث يتهم الاثنين بأنهما يبتزانه.. كأننا ندور في حلقة مفرغة من الابتزاز والابتزاز المضاد. أليس هذا شيئا عجيباً؟! بلي.. ولكنها الحالة السياسية المتعارضة التي نعيشها هي التي فرضت مفردة "الابتزاز" علي ألسنتنا.. فنحن علي ما يبدو سنبتز الآخرين دون أن ندري.. وهؤلاء الآخرون يمارسون الابتزاز انتقاماً أو تقليداً لمن ابتزوهم.. وهكذا..!! وعلي الرغم من أن المرحلة الانتقالية التي نمر بها كان يجب أن تملي علينا نمطا آخر من الممارسة السياسية خالياً من الابتزاز لكن هذا أمل بعيد المنال.. فالواقع الذي فرض نفسه علينا جعلنا جميعا نسير "خلف خلاف".. فلا تكاد تلمح اتفاقاً يبدو في الأفق بين حزبين أو تيارين أو حتي شخصين إلا وتجد هذا الاتفاق قد انقلب إلي العكس تماما في أقل من 24 ساعة. وبالأمس كنت أقرأ في إحدي صحفنا وانا في حالة استرخاء نادرة وفاجأتني مفردة "الابتزاز" في كل صفحة أمر عليها فجعلت أمسك بالقلم وأضع خطا تحتها كلما ظهرت أمامي.. وفي النهاية اكتشفت أنه لا تكاد تخلو صفحة منها. أليست هذه مفردة عجيبة فعلاً تلك التي تفرض نفسها علي كل صفحات الجريدة؟! لكن.. العيب في الحقيقة ليس عيبها.. وإنما العيب في الذين يكثرون من استخدامها دون أن نعرف يقينا من يبتز من.. ولماذا؟! الذين يريدون إجراء الانتخابات البرلمانية أولاً طبقاً لما قرره استفتاء 19 مارس يقولون إنهم يتعرضون لابتزاز علي من قبل من يسمون أنفسهم بالنخبة المثقفة التي تجيد لعبة التحريض والتهييج السياسي.. وفي المقابل فإن الذين يريدون الدستور أولاً يقولون إن هناك من يتعمد ابتزازهم بمقولة إن الاستفتاء واجب الاحترام لأنه يعكس إرادة أغلبية الشعب المصري.وقيادات الوفد التي تلتف حول الدكتور السيد البدوي رئيس الحزب يقولون إنهم يعانون من أسوأ حالة ابتزاز يقوم بها بعض أعضاء الحزب وقياداته الوسيطة اعتراضا علي دخول الوفد في الائتلاف الديمقراطي مع 17 حزباً آخر من بينها حزب الإخوان المسلمين "الحرية والعدالة". يقولون أيضا إن أحداً من الأعضاء الغاضبين لم يفند وثيقة التوافق التي وقع عليها الوفد ولم يعترض علي بند واحد من بنودها.. وإنما كان كل همهم إشاعة أن الوفد تحالف مع الإخوان ضد الدولة المدنية وحقوق المواطنة والوحدة الوطنية وحقوق المسيحيين.. وبعضهم قدم استقالته في محاولة مكشوفة للضغط علي قيادات الوفد وابتزازهم. وحتي الأزهر الشريف دخل في حلبة الابتزاز.. فبعد أن أصدر شيخه الجليل وثيقة حضارية لطمأنة المثقفين والعلمانيين من رفضه الكامل لفكرة الدولة الدينية الكهنوتية ودعوته الصريحة إلي سيادة الشعب والنظام الديمقراطي الذي يقوم علي التعددية السياسية وتداول السلطة ظهر هناك من يقول إن شيخ الأزهر يسعي إلي دور سياسي وأن الأزهر يقحم نفسه فيما لا شأن لهه ولا اختصاص له فيه. ولمزيد من الابتزاز يتم توجيه الاتهام لشيخ الأزهر بأنه أجري حواراً مع ممثلين لجماعات الإسلام السياسي شملت الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية مما أعطي انطباعاً بأن الأزهر يسعي للقيام بدور الراعي الرسمي أو الشرعي لهذه الجماعات. السلفيون أيضا يشكون من الابتزاز.. والليبراليون يشكون من الابتزاز.. ووزير الأوقاف يقول إن الشيخ حافظ سلامة وأعوانه يبتزون الدولة في أزمة مسجد النور. وحكومة الدكتور عصام شرف تشكو مر الشكوي من المظاهرات والاعتصامات الفئوية التي لا هدف لها غير الابتزاز من أجل الحصول علي مزيد من المزايا. يبدو أن كلامنا يبتز الآخر دون أن يدري.. وعلي كل منا أن يكون جاهزاً للابتزاز.. فتلك هي لغة العصر.