كان المشهد غريبا في معرض الكتاب.. فقد جاءوا بالشاعر السوري علي أحمد سعيد الذي تنازل عن اسمه العربي الإسلامي وتسمي ب "أدونيس" لكي يتحدث عن تجديد الخطاب الديني وهو الذي يعلن في كل مناسبة انه "لا ديني" وانه ليس متدينا وأجلسوه تحت اللافتة العريضة التي عليها صورة الإمام محمد عبده بكل ما تحمله من رمزية دينية تتناقض تناقضا صارخا مع رمزية وجود أدونيس نفسه في القاعة. رجل لا يؤمن بالدين من الأساس.. وليس متدينا باعترافه.. جاءوا به ليتكلم في قضية معرض الكتاب المهمة.. قضية تجديد الخطاب الديني.. كيف يستقيم الأمر؟! في مسرحية "مجنون ليلي" لأمير الشعراء أحمد شوقي مشهد مشابه.. فعندما اتعب القوم جنون ابنهم قيس وحاروا فيه نصحتهم احدي العرافات بأن يقدموا له شاة منزوعة القلب ليأكلها كي يشفي من حب ليلي.. فلما علم قيس بذلك وقدمت له الشاة قال: وشاة بلا قلب يداوونني بها.. كيف يشفي القلب من لاله قلب. سؤال وجيه بالطبع.. كيف يشفي القلب من ليس له قلب.. وكيف يتحدث في تجديد الخطاب الديني من لا يؤمن أساسا بالدين.. لذلك اشترط منظمو اللقاء ألا يكون هناك حوار أو اعتراضات ومقاطعات رغم ان فكرة اللقاءات الثقافية لا تقوم إلا علي الحوار.. لكن المطلوب افساح المجال بالكامل ليقول أدونيس ما يريد دون جلبة وضجيج..وتحدث الرجل فرفض الكلام عن تجديد الخطاب مطالبا بتجديد تأويل الدين واحداث قطيعة كاملة مع القراءة السائدة له.. وهذه هي الصياغة المراوغة التي يلجأ إليها أدونيس عندما يتحدث عن الإسلام باعتباره تراثا وعن ضرورة التخلص منه بالدعوة إلي القطيعة الكاملة معه وتجديد تأويله لكي نقدم للعالم دينا آخر غير الإسلام الذي نعرفه. ثم انتقل أدونيس إلي المنطقة التي يجيدها وهي تشويه كل ما هو عربي وإسلامي مدعيا انه يحمل لواء الحداثة.. فأكد ان الدولة الإسلامية قامت علي العنف والدماء واقصاء الآخر.. وانه لا يجد بين المليار ونصف المليار مسلم مفكرا واحدا يمكن أن يضعه إلي جانب مفكري الغرب العظام.. ثم دعا في ختام محاضرته إلي إنشاء جبهة علمانية تعيد قراءة الموروث العربي وتقديم قراءة جديدة للدين وقال: أنا لست متدينا لكني احترم التدين علي المستوي الفردي الذي لا يلزم إلا صاحبه.. أما إذا حاول مأسسة الدين فأنا لست معه. نعم.. هذا هو أدونيس الذي قطع صلاته بأصوله العربية والإسلامية.. بل انه يعيش ويتعاش علي احتقار هذه الأصول وتشويهها وقد رسم لنفسه صورة المتمرد الغامض المتحرر نصير الديمقراطية والحرية والمساواة.. لكننا سرعان ما نكتشف انها صورة كاذبة مزيفة.. ليس فيها من صدق غير حقده علي العروبة والإسلام. في الحقيقة.. ليس لأدونيس موقف ضد الاستبداد والتسلط غير الكلمات المطاطة الغارقة في التعميم التي تقول ولا تقول.. لم يعرف عنه انه تصدي لظالم أو حتي لسياسات ظالمة مهدرة لكرامة الإنسان.. وعندما قامت الثورة السورية في مارس 2011 كان الناس يغنون في الشوارع والميادين وكان هو يعرف مثلما نعرف جميعا ان نظام الأسد غير إنساني.. ومع ذلك وقف بوضوح ضد الثورة لأن مظاهرة خرجت من المسجد وعندما تحولت سوريا إلي مستنقع للإرهاب كرد فعل لإرهاب النظام الفاشي راح يردد ان بشار يواجه الإرهاب.. والعالم كله يدرك الحقيقة ان بشار هو الذي فتح الحدود للإرهابيين حتي تتحول القضية من قضية ثورة شعب إلي حرب ضد الإرهاب. أدونيس لا يصلح لتجديد الخطاب الديني ولا لتجديد الخطاب السياسي والثقافي.. أدونيس صورة مزيفة للمثقف العربي هو ضد العروبة والإسلام وضد الاستبداد لكنه صديق كل الرؤساء والملوك والمشايخ والأمراء.. حينما يزور عاصمة عربية يلهبها بجرأته في انتقاد الفكر الديني المتطرف والموروث الثقافي وإدانة بنية العقل العربي الساكن الخامل في أسوأ رؤية عنصرية.. لكنه أبدا لا يقدم البديل الذي ربما يكلفه ان يدفع الثمن.