هناك مشكلة حقيقية في اختيار المحافظين الجدد.. ويقال إن 90% من الذين وقع عليهم الاختيار خلال الأيام الماضية اعتذروا.. البعض يرجع ذلك إلي حجم المشكلات الهائل الذي سيواجه به أي محافظ جديد وهي مشكلات تكاد تستعصي علي الحل.. والبعض الآخر يؤكد أن السبب هو عدم وضوح المعايير التي يتم علي أساسها اختيار المحافظين واتباع الطرق ذاتها التي كانت متبعة في عصر مبارك التي كانت توزع منصب المحافظ علي فئات بعينها كأنها مكافأة نهاية الخدمة بصرف النظر عن مدي صلاحية هذا المرشح للمنصب أو ذاك. وغني عن البيان أن "المحافظ" هو واجهة الدولة أمام المواطن.. بل هو الدولة في حقيقة الأمر.. فالمواطن لا يتعامل مع رئيس الجمهورية ولا يقترب من الوزراء.. لكنه يحتك بالمحافظ والأجهزة المحلية العاملة معه والتابعة له في كل صغيرة وكبيرة من أمور حياته.. ولذلك إن صلح المحافظ قال المواطن إن الدولة صالحة.. وإن فسد قال المواطن الدولة فاسدة. كلنا نري الدولة في شخص المحافظ حينما تذهب لاستخراج رخصة المباني أو تصريح دخول المياه والكهرباء إلي المنازل أو لإقامة مشروع استثماري.. وحينما نقدم لأبنائنا في المدارس وعندما نركب المواصلات الداخلية ونقف في إشارات المرور ونعاني من مشكلة النظافة والفوضي والعشوائية في الشوارع. وقد رأينا في تجاربنا الطويلة أن شخصية المحافظ وكفاءته وموهبته تلعب دوراً كبيراً في العلاقة القائمة بين المواطن والدولة.. فحين يكون المحافظ نشيطاً ودوداً قادراً علي تحمل مسئولياته ومبدعاً في إيجاد حلول للمشكلات التي يعاني منها الناس سوف يشعر المواطنون بالرضا ويتفاعلون معه.. والعكس صحيح إن كان فاسداً وكسولاً وغير قادر علي تحمل المسئولية.. وينظر إلي المنصب علي أنه وجاهة ومكافأة. من أجل ذلك يصح جداً أن تقول إن الدولة هي دولة المحافظين.. ويجب أن ينال هؤلاء ما يستحقون من عناية وتدقيق في اختيارهم علي أساس الكفاءة والصلاحية وليس علي أساس "الكوتة الفئوية".. ثم يجب أن ينالوا ما يستحقون من اختبارات وتدريب قبل أن يتولوا مناصبهم حتي نتأكد من أنهم علي قدر المسئولية. لقد شكونا كثيراً ومازلنا نشكو من فساد المحليات الذي وصل للركب في عصر مبارك ووصل الآن إلي الحلقوم.. وشكونا كثيراً ومازلنا نشكو من الحالة المزرية التي وصلت إليها أوضاع الناس في القري والمدن من حيث انعدام الخدمات وفوضي المرور والعشوائيات وتراكم القمامة واحتلال الشوارع ومخالفات المباني.. وكل ذلك يرجع إلي فساد دولة المحافظين.. وفساد الأسس التي يتم الاختيار عليها.. والتي مازالت تعتمد علي المحاصصة والمحاباة.. وتهمل الكفاءة والصلاحية. أحسنوا اختيار محافظيكم.. حتي يحسنوا معاملة المواطنين ويخلصوا في خدمة الوطن ويحاربوا الفساد والمفسدين.. وكما تكونوا يأت محافظوكم ويتصرفوا بين الناس. المحافظون هم الدولة.. بل الدولة العميقة.